لم يكن اللقاء ليلة الجمعة بين رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ والأمين العام لـ«حزب الله» ​السيد حسن نصرالله​ عادياً، سواءٌ في رمزيّته الزمنية التي تحمل أكثر من دلالة، أو في مضامينه السياسية غداة انتهاء الانتخابات النيابية وعشية انطلاق المفاوضات لتأليف الحكومة الجديدة.

على مستوى التوقيت، تمنّى بري على نصرالله أن ينعقد اللقاء في 25 أيار، يوم ​عيد المقاومة والتحرير​، نظراً الى الأهمية التاريخية لهذه الذكرى التي تستحوذ على حيّزٍ واسعٍ في وجدان الرجلين. وهكذا تقرّر أن يكون الموعد الجمعة الماضي بالتزامن مع تلك المناسبة الوطنية، فيما اقترح نصرالله على بري استضافته الى مائدة الإفطار، فشكره رئيس المجلس على الدعوة لكنه اوضح له أنه معتادٌ على تناول طعام الإفطار في دارته مع أفراد العائلة. (من طقوس بري في رمضان بعد انتهاء «التمشاية» المختصرة قرابة السابعة مساءً، تلاوة القرآن ثمّ تأدية الصلاة وبعدها تناول الإفطار).

قرابة التاسعة ليلاً، وصل بري الى الشقة المنتقاة في الضاحية الجنوبية، يرافقه معاونُه السياسي الوزير ​علي حسن خليل​. هناك كان في استقبالهما نصرالله ومعاونُه السياسي حسين الخليل. بعد تبادل القبل بين «السيد» و»الاستاذ» والاطمئنان الى الصحّة والأحوال الشخصية، قال بري لنصرالله إنهما لم يلتقيا منذ أربع سنوات تقريباً، إلّا أنّ نصرالله أجابه مصوِّباً: «آخرُ لقاءٍ بيننا عُقد قبل ست أو سبع سنوات». فردّ بري: «أوف.. إنها مدة طويلة».

في مستهلّ الاجتماع، بدا نوعٌ من التأثر على الرجلين اللذين تحول الإجراءات الأمنية دون انتظام لقاءاتهما، ثم دارت محرّكات النقاش السياسي على وقع فناجين القهوة وأكواب الشاي والزهورات، «تؤازرها» تشكيلةٌ من الفاكهة.

انطلق الكلام من محطة تحرير معظم الجنوب و​البقاع الغربي​ عام 2000، في استعادة لمعانيها وبعض ذكرياتها، قبل أن يتمدّد الحوار نحو فلسطين وما يواجهه شعبُها من اعتداءاتٍ إسرائيلية، ثم كان بحث في التحدّيات التي تدهم المنطقة على اكثر من صعيد.

أما في الشق الداخلي، فقد عرض الجانبان تجربة الانتخابات النيابية ودلالات الفوز الكبير الذي حققته لوائح «الأمل والوفاء»، إضافة الى مراجعة مشترَكة لبعض جوانب تلك التجربة، وصولاً الى التوقف عند إعادة انتخاب بري رئيساً للمجلس، وتكليف ​سعد الحريري​ بتأليف الحكومة.

وقد قارب بري ونصرالله استحقاقَ تأليف الحكومة المقبلة من زاوية تأكيد الثوابت الآتية:

• وجوب تأليف حكومة وحدة وطنية موسّعة.

• تقاسم المقاعد الوزارية الشيعية بين حركة «أمل» و»حزب الله» على قاعدة ثلاثة وزراء لكل من التنظيمَين.

• بقاء الحقيبة السيادية مع حركة «أمل» (وزارة المال) وتفعيل حضور الحزب في الحكومة من خلال حقائب وازنة.

وناقش الجانبان تحدّي مكافحة الفساد وضرورة التعاون بينهما في هذا المجال، حيث اكّد بري لنصرالله أنّ الحكومة الالكترونية هي من أدوات التصدّي للفساد، واعتماد آلية التعيينات التي سبق الاتّفاقُ عليها في ​مجلس الوزراء​، والاحتكام في المشاريع والتلزيمات الى «إدارة المناقصات» التي يجب أن تحظى بصلاحيات كاملة، مع التنبيه الى محاذير طبخ دفاتر الشروط خارجها، «لأنّ كل القصة تكمن في دفتر الشروط». وعُلم أنه كان هناك توافقٌ على طريقة مقاربة هذا الملف الذي يبدو أنه سيكون من أولويات المرحلة المقبلة.

بري: لم أحسم «الفصل»

الى ذلك، قال بري امام زواره أنه شعر بالتأثر لدى لقائه نصرالله بعد انقطاع طويل عن الاجتماعات المباشرة، «علما أنّ التواصل بيننا مستمرّ عبر المعاونين السياسيين».

وشدّد بري على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة الجديدة، وتحديداً قبل نهاية ​شهر رمضان​ إذا أمكن، لأنّ الوضع الاقتصادي دقيق ولا يتحمّل إضاعة الوقت. وأشار الى عدم ممانعته في أن يصل عدد اعضاء الحكومة الى 32 وزيراً في حال اقتضت الضرورة ذلك، موضحاً انه يؤيّد توزيرَ علويٍّ وممثلٍ عن الأقلّيات بعد حرمانٍ مزمن.

وعمّا إذا كان سيحذو حذو قوى سياسية أُخرى قرّرت فصل النيابة عن الوزارة، قال بري: «أُفضل أن أبقى «free»، لا أريد أن أقيّد نفسي منذ الآن بموقف نهائي وقاطع.. يهمني أن أحافظ على حرّيتي في اختيار وزراء «أمل» تبعاً لما يقتضيه الظرف في حينه.. ربما أفصل وربما لا»..

وعندما سُئل عن تعليقه على قرار الحريري فصل النيابة عن الوزارة في تيار «المستقبل»، أجاب بري: «كيف يستقيم قرارُ الحريري ما دام هو نفسُه نائباً ورئيسَ حكومة في الوقت ذاته؟».

ورداً على سؤال، أكّد رئيس المجلس أنه كان وسيبقى «رأسَ حربة في مواجهة الفساد»، لافتاً الى أنّ «البرنامج الانتخابي لكتلة «التنمية والتحرير» سيكون برنامج وزراء الكتلة في الحكومة المقبلة».

وهل أصبحت معالم وزرائك واضحة؟ اجاب بري: «أنا شخصيّاً لا أعرف حتى الآن مَن سأختار. كما درجت العادة، سأترك التسمية الى اللحظة الاخيرة خلال الاجتماع الذي يُعقد بيني وبين رئيس الجمهورية قبل الاعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة».

بيان «الحزب»

وكان قد صدر عن مكتب العلاقات الإعلامية في «حزب الله» بيان حول الاجتماع بين بري ونصرالله في حضور معاونيهما السياسيين، وفيه أنه جرى عرض الاوضاع العامة في المنطقة وما يجري على الساحة الفلسطينية خصوصاً، وتمّ تأكيد الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله الوطني بكافة الوسائل.

واشار البيان الى أنه جرى نقاش معمّق في الملفات الداخلية، حيث أبدى الطرفان تقويمَهما الإيجابي لنتائج الانتخابات النيابية والمشارَكة الشعبية الواسعة التي أكّدت الالتزامَ بخيار المقاومة وبناء الدولة والمشروع السياسي الذي يحمله «حزب الله» وحركة «أمل» وحلفاؤهما. ونظر الطرفان بارتياح كبير لانتخاب رئيس ​المجلس النيابي​ وتكليف رئيس الحكومة، آملين استكمالَ هذه الخطوات بتأليف سريع لحكومة وحدة وطنية موسّعة تعكس التمثيلَ الصحيح. كذلك أُجريت مقاربة شاملة للملفات الاقتصادية والمالية والإدارية، وكان تشديدٌ على «العمل الجاد لمحاربة الفساد والاتّفاق على الآليات المناسبة لمتابعة هذه الملفات».