ثمة في ​لبنان​ من يقوم بأي فعل لأجل المال، مستعينا بمن يكره هذا الوطن الى حد التفكير يوميا بكيفية تدميره والقضاء على تاريخه، ولعل المشكلة الأكبر هي في وجود هؤلاء في مركز القرار في الدولة مما يساعدهم على اتخاذ القرارات المسيئة لتاريخ بلدنا، تماما عندما حصلت تسريبات أن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وافقت على مشروعين لإشغال الاملاك العامة البحرية واحد في ​زوق مكايل​ والآخر في الدامور وذلك رغم ان المجلس الأعلى للتنظيم المدني كان قد رفض المشروعين بالإجماع، الأمر الذي يلقي الضوء اليوم على "ملّاحات" أنفة التي تواجه خطر الزوال بفعل مشروع سياحي عارضه ​التنظيم المدني​ بانتظار قرار الحكومة المقبلة.

لا نبالغ إن قلنا أن عمر "ملاحات" انفة يزيد عن 400 عام تمكن من خلالها أهلها أن يرفعوا من قيمة "ملحهم" الى مراتب عالمية، ولكن كما في كل القطاعات التي تصنف ضمن خانة "الاعمال الحرفيّة" تدهور حال "الملاحات" بفعل غياب الاهتمام الرسمي والدعم، لتصبح منذ فترة هدفا "لمدمّري التاريخ اللبناني".

تتواجد الملاحات في مناطق تابعة لوقف مطرانية الروم الاورثوذكس وفي مناطق تابعة للدولة، ويحتوي عقد الاستثمار بين اصحاب الملاحات والمطرانية على بند يقول بأنه اذا أردات المطرانية إنهاء عمل الملاحات عليها ان تدفع تعويضا لأصحابها يحدده خبير بحسب سعر المتر المربع، كذلك يتواجد بند يقول بانه اذا قررت الدولة إلغاء عمل الملاحات فهذا يعفي المطرانية من واجب التعويض. وفي هذا السياق يقول الناشط البيئي حافظ جريج: "منذ 3 سنوات تقريبا ازداد الضغط على أصحاب الملاحات في أنفة تمهيدا للانقضاض عليها، يومها تبلّغوا أن "ملاحاتهم" تعتدي على الملك العام وعليهم إيقاف العمل بها، وذلك لوضعهم بين خيارين الاول يقوم على رحيلهم من دون تعويض والثاني قبولهم بمبلغ 10 الاف ليرة عن كل متر مربع والذي سيدفعه المستثمرون أصحاب مشروع بناء المدينة المسورة في املاك وقف دير الناطور على شواطئ الملاّحات واحراج السنديان والريحان، والذي رفضه المجلس الأعلى للتنظيم المُدُني.

تقدّم اصحاب حق استثمار العقار 912 ملك دير سيدة الناطور في ساحل الكورة، بمشروع على مساحة 30990 متر مربع في اليابسة، و38875 متر مربع مسطحات مائية، فجاء الرفض بالإجماع لأن دراسات وتوصيات الخطة الشاملة لترتيب الاراضي اللبنانية كانت قد اعتبرت ان هذا الجزء من ​الشاطئ اللبناني​ هو ذو خصائص بيئية نادرة ومميزة.

وفي هذا السياق يشدد رئيس الحركة البيئية ​بول أبي راشد​ على ضرورة تحرك الدولة اللبنانية لحماية منطقة رأس الناطور العظيم القيمة من مجزرة تستهدف الآثار البيئية والتراثية والطبيعية التي لا يمكن إصلاحها فيخسر لبنان هذا الشاطئ النادر ويخسر ساحل الكورة طابعه الاصيل في البيئة الطبيعية، مشددا على اهمية إعلان منطقة "الملّاحات" محمية بيئية طبيعية بسبب أهميتها الثقافية والتراثية والطبيعية. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "تعتبر منطقة الملاحات منطقة "رطبة" وبالتالي تدخل ضمن "معاهدة رامسار" الدولية للمناطق الرطبة والملاحات، والتي انضم لبنان اليها عام 1999"، مشيرا الى أن المعاهدة تشدد على حماية المناطق الرطبة التي تعتبر ضرورية جدا لأنواع كثيرة من النباتات والطيور، بالاضافة الى الملح الذي يعد من أجود انواع الملح في العالم.

لم يعرض المشروع على مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة بحسب جريج، الا ان ذلك لا يعني أنه لن يعرض في المستقبل، مشيرا الى أننا بصدد التحضير لتقديم دعوى قضائية ضد أصحاب المشروع منطلقين من رفضه بالإجماع من قبل المجلس الاعلى للتنظيم المدني، وسنطالب عبر مجموعة من النواب بإبطال قرار إلغاء الملاحات.

بدل أن تُعيد الدولة الاملاك البحرية لأصحابها، ها هي تتهاون مع ما تبقى منها وتساهم بتدمير ثقافة لبنان وتاريخه، فهل نشهد قريبا نهاية مأساوية لمناجم الذهب الأبيض في أنفة؟.