يعتبر المطلعون على زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الى العاصمة الفرنسية باريس والتي سيلتقي خلالها الرئيس الفرنسي إيمانيويل ماكرون، أن أبرز ما يحمله سيد بكركي من ملفات سيضعها بتصرف سيد الإليزيه، هو ​ملف النازحين السوريين​ في ​لبنان​ وضرورة إعادتهم الى المناطق الآمنة في ​سوريا​.

ملف النزوح السوري وتداعياته الكارثية على لبنان أصبح يشكل قناعة ثابتة لدى ​البطريركية المارونية​، وهو من الأمور التي لم تغب يوماً عن إجتماعات بكركي وبياناتها، وفي هذا السياق، تروي مراجع روحية بارزة أن "إطلاق الراعي الصرخة تلو الأخرى حيال ملف النزوح السوري، منسّق بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، الذي إتخذ من عودة النازحين الى بلادهم عنواناً أساسياً من بين العناوين التي ستعمل على إنجازها حكومة العهد الأولى التي يعمل على تشكيلها رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، وبالإتفاق مع رئيس الجمهورية أيضاً تأتي إثارة البطريرك الراعي لهذه القضية في المحافل الدولية.

هذا التنسيق بين بعبدا وبكركي لجعل ملف النازحين السوريين بنداً أولَ على جداول الأعمال المحلية والدولية، لم يبدأ من لا شيء بل من معطيات وملفات توثّق حجم المخاطر التي تحدق بلبنان من جراء النزوح السوري، وعلى مختلف الصعد والقطاعات الإقتصادية والإجتماعية والأمنيّة. وفي هذا السياق، تكشف مصادر كنسيّة متابعة أن في جعبة الصرح البطريركي أكثر من دراسة أجريت عبر الوزارات المعنية كوزارات الإقتصاد والعمل والشؤون الإجتماعية، تكشف أرقامها حقيقة وخطر تداعيات النزوح الإقتصادية والإجتماعية والأمنية على لبنان، الأمر الذي يتطلب إطلاق الصرخة تلو الأخرى بوجه الأفرقاء السياسيين وبوجه الدول الخارجية، التي تعرف بكركي أن بعضها يسعى بكل ما لديه من إمكانات، لإبقاء النازحين في لبنان.

أضف الى دراسات الوزارات المعنيّة، تلقّت الأديرة والأبرشيات لا سيما في المناطق النائية البعيدة عن العاصمة بيروت، شكاوى عدّة من أبناء الرعايا اللبنانيين الذين عمدت المؤسسات والمصانع والشركات والمطاعم الى طردهم من وظائفهم، وإستبدلتهم بعمال سوريين خلافاً للقوانين، وذلك بهدف التخفيف من الأعباء المالية التي تتكبدها على الموظف أو الأجير اللبناني من إشتراكات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وغيرها من الرواتب التي يقبل النازح السوري بأقل منها. كذلك لدى القصر الجمهوري دراسات مفصّلة من بعض الوزارات وعلى رأسها الطاقة والمياه، وفيها يظهر بالأرقام كيف إرتفعت حاجة لبنان للطاقة الكهربائية بسبب النازحين السوريين، وكيف إنعكس ذلك تقنيناً إضافياً هذا فضلاً عن تعدياتهم التي لا تعد ولا تحصى على شبكات الكهرباء والمياه.

كل ذلك شيء وعدم إلتزام المجتمع الدولي بوعوده حيال المساعدات التي أعلن تقديمها للنازحين شيء آخر بالنسبة الى رئيس الجمهورية، الذي وردته الى القصر إحصاءات تؤكد بما لا يقبل الشك أن أكثر الدول حماسةً لإبقاء النازحين في لبنان هي تلك التي وعد وزراؤها بتقديمات وهبات للنازحين، من دون أن تلتزم بدفع هذه المساعدات.

كل هذه المعطيات رفعتها بكركي الى الفاتيكان وأصبحت بأرقامها وتداعياتها بين يدي ​البابا فرنسيس​، ومهما سمعت بعبدا وبكركي من إتهامات وتفسيرات طائفية ومذهبية لهذه المقاربة من أزمة النازحين السوريين، فالرئيس والبطريرك لن يتراجعا عنها نظراً لما توافر لديهما من معطيات وأرقام تفرض دقّ ناقوس الخطر خصوصاً أن الحرب في سوريا شارفت على نهايتها، وأن أكثرية المناطق التي هرب منها النازحون في الداخل السوري، أصبحت آمنة والحياة فيها ممكنة.