حفلت الساعات القليلة الماضية بأخبار تناقلتها وسائل الاعلام المحلية، مفادها ان عدداً من غير ال​لبنان​يين حصلوا على الجنسية اللبنانية بشكل غير علني لقاء مبالغ متفاوتة من الاموال بمرسوم حمل تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.

الخبر اثار ردود فعل متفاوتة، خصوصاً لدى اللبنانيين، فمن جهة كانت هناك فرحة مبطّنة لكون الجنسية اللبنانية باتت محط اهتمام وتصرف من اجل الحصول عليها اموال كبيرة، على غرار ما يقوم به الكثيرون من اجل الحصول على جنسية في احدى الدول الاوروبية. لكن هذه السعادة سرعان ما تختفي، لان المهتمّين بالجنسية اللبنانية هم من الفلسطينيين والسوريين وهم بالتالي من لا يحق لهم الحصول عليها، الفلسطينيون بسبب المشاكل المتعلقة بالنزاع العربي-الاسرائيلي وعدم افراغ ​الاراضي الفلسطينية​ من سكانها وهو وارد في ​الدستور اللبناني​، والسوريون بسبب عدم السماح بتقسيم ​سوريا​ وتوطين النازحين في الدول التي لجأوا اليها وفي مقدّمها لبنان.

ولكن الاخطر يبقى في الوضع الداخلي والتأثير الذي يمكن ان يشكله هذا الخبر على المسؤولين الرسميين وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، وهو الذي قرّر ان يقف في خط الدفاع الاول عن منع توطين النازحين و​اللاجئين​، واطلق مواقف اقل ما يقال فيها انها اعادت الثقة للبنانيين بأن كلمتهم يمكن ان يحسب لها حساب في هذا السياق. والسؤال الغامض يبقى عن كيفية توقيع الرئيس عون لمثل هذا المرسوم، اذا صحت المعلومات، وهل هناك من قطبة مخفيّة في هذا المجال، او من ضلّل رئيس الجمهورية ليقوّض آخر جرعة ثقة ومعنويات للبنانيين في مستقبل بلدهم؟.

ليس من السهل ايجاد الجواب على هذا السؤال، ولكن من السهل ان تتضح الصورة بعد فترة، ويتبيّن الخيط الابيض من الاسود، وتنكشف خيوط هذه المسألة، فإذا صحّت، يكون هذا المرسوم بمثابة الشوكة المؤذية في خاصرة العهد، بحيث سيلطّخ ما تم تحقيقه من انجازات في أقلّ من سنتين على تولي العماد عون رئاسة البلاد، وسيقارنه الجميع بسلفه العماد ​ميشال سليمان​ الذي ترك علامات استفهام كثيرة حول ​مرسوم التجنيس​ الذي وقّعه في نهاية عهده وطاول نحو 700 شخص، وبقي يلاحقه طوال هذا الوقت. والاهم ان من شأن هذا المرسوم في حال ثبت وجوده، ان يطيح بكل الجهود والكلام الصادر عن لبنان برفض ​التوطين​ وتحريك الرأي العام لمنع خطط الابقاء على ​النازحين السوريين​ على الاراضي اللبنانية، فتتلاشى مصداقية الكلام ويجد الرئيس اللبناني والمسؤولين معه انهم في وضع حرج امام العالم عموماً، واللبنانيين المغتربين بشكل خاص بعد ان بذلت جهود كبيرة لحثّهم على ان يستعيدوا ثقتهم ببلدهم ويتقدموا لطلب الحصول على ​الهوية اللبنانية​.

قامت الدنيا ولم تقعد حين تم تضمين ​قانون الموازنة​ الاخير بنداً يسمح بمنح الاقامة -وليس الجنسية- لمن يمتلك منزلاً يتراوح سعره بين 350 و500 الف دولار اميركي، وعلّق ​المجلس الدستوري​ العمل بهذا البند، فما الذي يجب حصوله من اجل الغاء هذا المرسوم وعدم تنفيذه؟.

اما في حال لم تصحّ المعلومات واتّضح ان الامر مجرد كلام او تم التراجع عنه بعد تسريبه، فستكون الامور عندها مغايرة تماماً، وسيحافظ الرئيس على صورته المتمايزة في هذا المجال عن غيره من الرؤساء، وسيكون بمقدوره الابقاء على صوته عالياً في رفضه التوطين تحت اي ذريعة او مسمّى كان، وسيحظى بدعم اللبنانيين الذين يدعمونه في هذا المسعى لمنع الحاق الضرر الكبير ببلدهم وبهم جراء التجنيس او التوطين لانهما وجهان لعملة واحدة.

الكرة في ملعب الرئيس عون، ويجب عليه ان ينزع اي شوكة في خاصرة عهده، كي لا تتحول الى نقطة ضعف تصيب السنوات الخمس المتبقية له في الولاية، وكي لا تذهب جهوده والاهداف التي وضعها، ادراج الرياح.