لفت البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، إلى أنّ "الرئيس افرنسي ​إيمانويل ماكرون​ شخص لا يصغي فقط بأذنيه بل يصغي أيضاً بقلبه. وهو يفهم ما يُقال له، و"يشعر" معك. لا يتشبّث بمواقفه ويدعو إلى الثقة، وهذا أمر عظيم"، مشيراً إلى أنّ "أحياناً نكون حقّاً بحاجة إلى أن يكون لدينا شخص يصغي إلينا. وبالطبع، نحن نشعر في ​فرنسا​ دائماً بالراحة: فنحن نتحدّث مع أصدقاء، لأنّ ألف سنة من العيش مع الفرنسيين تخلق صداقة حقيقية. وهم ليسوا أصدقاء نتيجة الظروف"، منوّهاً إلى أنّ "هكذا كانت فرنسا الّتي تشكّل صوتاً مهمّاً، دائماً إلى جانب ​لبنان​ في كلّ تقلّبات تاريخه، حتّى لو كانت قرارات ​الشرق الأوسط​ ترتبط بالمجتمع الدولي".

وأوضح في مقابلة صحافية، أنّ "مصير مسيحيي الشرق كان إحدى نقاط مناقشتنا. في الشرق الأوسط، ​المسيحيون​ ليسوا دخلاء ولا حتّى أقلّية. فالمسيحيون كانوا قبل ​الإسلام​ بـ600 سنة، وهذا يعني أنّ الثقافة الأساسية في كلّ الشرق الأوسط هي ثقافة مسيحية. كما أنشأنا الإعتدال الإسلامي، لأنّه يجب أن نميّز مسلمي الشرق الأوسط عن الّذين يصنعون الحروب. ولكن، إذا تضاءل الوجود المسيحي أكثر بعد، سنفقد عنصراً أساسيّاً يضمن الإعتدال الإسلامي"، مبيّناً "أنّنا ننقل أيضاً قيَمنا المسيحية وقيَم الفرنكوفونية والجانب الحديث للحياة والحرية والمساواة والتعددية وحقوق الإنسان. أنا لا أنكر الثقافة الإسلامية، فلها قيمها، ولكن عندما لا يعود عدد المسيحيين يكفي، نخسر الكثير. هم يعطون قيمة للنفط والموارد الطبيعية، ولا يعطون قيمة لمسيحيي الشرق الأوسط. فهذا المورد المهمّ مُهملاً".

وحول أسباسب مغاجرة المسيحيين لبنان، ركّز الراعي على أنّ "هذه كانت النقطة الأساسية في مناقشتنا. إذا كان المسيحيون كالمسلمين يغادرون لبنان، فهذا لأنّ البلد وضعه سيّئ اقتصادياً. يهنّئونّنا لأنّنا نستقبل 1750000 لاجئ سوري و500000 فلسطيني، أي أكثر من نصف السكان اللبنانيين، لكنّ ​سوريا​ أكبر بثلاث مرات من لبنان، وفيها مناطق آمنة ضخمة جدّاً. يمكن للسوريين إذاً العودة إلى ديارهم. هذا حقّهم، وهذا بلدهم، وهذه ثقافتهم وحضارتهم. إلّا أنّ هؤلاء ​اللاجئين​ لا يتشجّعون على العودة لأسباب سياسية"، كاشفاً أنّ "لذلك، طلبتُ من ماكرون مساعدتنا في تشجيعهم على العودة"، مؤكّداً "أنّنا متضامنون جدّاً مع اللاجئين، إنسانيّاً واجتماعيّاً، لكن لدينا أيضاً شعب بنسبة 30 بالمئة يعيش تحت مستوى ​الفقر​".

وشدّد على أنّ "حان الوقت لترك ​الشعب السوري​ يعود إلى دياره، وإلّا سيلقى لبنان على الأمد طويل مصيراً أسود. وهذه الحرب في سوريا دمّرتنا أيضاً، ولا نتوقّع أن يحلّ السلام. لهذا السبب تحدّثنا أيضاً عن إمكانية وأهمية تنظيم مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط"، مؤكّداً أنّ "حان الوقت حقّاً لإنهاء هذه الحرب"، متسائلاً "هل المجتمع الدولي غير قادر على التكلّم عن السلام؟ ألا يجب سوى أن نتكلّم عن الحرب! هذا عار على عصرنا".

وعمّا إذا كان قلقاً جدّاً على الفرنكوفونية، أشار البطريرك الراعي إلى أنّ "في آب 2017، صوّت البرلمان على قانون لزيادة رواتب المعلّمين، ولكن هذا الإجراء يهدّد المدارس الخاصّة والكاثوليكية الّتي ليست مدعومة على الإطلاق. ستزيد ​الأقساط المدرسية​ بنحو 500 يورو"، مركّزاً على "تخيّلوا لو كان لديكم ثلاثة أطفال. إنّ معظم الأهالي غير قادرين على دفع هذه الزَودة، هذه كارثة اجتماعية. والنتيجة: ستغلق هذه المدارس أبوابها، وسيختفي معها تعليم عالي الجودة، لا سيّما تعليم اللغة الفرنسية"، مبيّناً "أنّني تطرّقتُ إلى هذا الموضوع أيضاً مع ماكرون لأنّ مدرسة "الليسه" الفرنسية الّتي اضطرّت الى تعليق الدروس، هي معنيّة أيضاً. إنّ الفرنكوفونية معرّضة للخطر".