نُعِدُّ لِكُلِّ شَيء، ونُريد لِكُلِّ ما يتعلَّقُ بأعراسنا أن يكون على نوعٍ من السموِّ والرِّفعَةِ والفخامة وحُسنِ التنظيمِ والكمال. والسوق حاضرٌ لكي يمدّ أعراسنا ويُغذّيها بمئات الأكسسوارات والحشوات التي تناسب كلّ الأذواق، والتي باتت من الضرورة بمكان، لابتسامةِ رِضى أقلُّ ما يُقال فيها إنّها إلى حين، إذ سُرعان ما تطفو على السطح أثار الغَطرسة والعَجرفة، لتبدأ بعدها أعراض ما بعد ​الزواج​، وأولى ملامحها وأخطرها، كَمٌّ هائل من الديون التي تضغط على الأزواج الجُدُد، وتُضيف إلى همومهم الحياتية همّاً آخرَ ثقيلاً يُقلِق راحتهم وينقضُّ على السعادة التي أنشدوها، ما قد يُؤدي ببعضهم إلى ​الطلاق​. وقُل للراغبين في الزواج: "تمهّلا ولا تُقدِما على ما ليس بمقدوركما عليه"، فيأتيك الجواب: "منتزوج مرّة بالعمر... عيب شو بيقولو عَنّا الناس"!.

في الحقيقة، إنّ ثمّة ما يُقلِق، في هذا الواقع الجديد الذي بتنا نشهده في أعراسنا، لا بل في احتفالاتنا كلّها، والذي تُغّذّيه ذهنية إستهلاكية تُعَبِّدُ طريقنا بالأفخاخ، ولا تُقيمُ وزناً للقيم ولا لواقع الحال، ولا للمقدرة الماديّة، ولا لتبعات التطلّب الزائد عن حدّ المعقول وانعكاساته السيئة على الحياة الزوجية. كما وأنّها لا تأخذ بعين الإعتبار مخاطر توسّل المظاهر الخارجية والغطرسة والفخفخة والبذخ سبيلاً إلى السعادة. وهذه الذهنية الآخذة بالتوسّع تُشكّل، في الحقيقة، تهديداً مباشرَ للزواج والحياة المشتركة، ذلك أنّها تُجرّد هذين الأخيرين من واحدة من إمكانات الدّفع الأساسية التي من شأنها أن تُرسّخهما على أُسُس متينة، إن هي استُثمِرت في مكانها الصحيح.

ولكن هل فعلاً بِتنا أسرى هذه الذهنية الإستهلاكية، وهل أضحت هذه الأخيرة سبب سعادتنا، لدرجة أننا أصبحنا عاجزين عن الإستغناء عمّا لا ينفع؟! ولِما ربطنا سعادتنا في منتوجات السوق؟! أسئلة لا بُدَّ من التنبُّه لها، ولكن أيضاً، إلى حقيقة غيابِ العروسين من أَعراسِ اليوم! نعم، العروسان غائبان كشخصين وحاضران "كأكسِسوار"؟! يُنظَرُ إليهِما فيما عليهما وليس فيما هُما! والتألُّق كُلّ التأَلُّق للأشياء البرّاقة المُتراكمة عليهِما والتي تحوطهما من كلّ ناحية: لِفستان العروسِ وزينتها وتسريحة شّعرها ومجوهراتها... ولِبَذَةِ العريس وحذائه ونظّاراته الشمسيّة... ولِزينة الكنيسة ومَوكِب العُرس المَهيب والمطعم الفخم والزّفة المتألِّقَة... وللمفرقعات المتطايرة هُنا وهُناك في السماء، وللموسيقى الصاخبة... ولحزمةٍ من منتوجات السوقِ وابتكاراتِهِ الإستهلاكيّة الكثيرة التي أَصبَحت تُعَدُّ، وباسم الموضة، مِن أساسيّات العُرس وعدَّتِه، وقد أضحى وللأسف الشديد، من الصعوبة بمكان الإستغناء عنها، لنَقصٍ في الحكمة.

لقد نجح السوق في غزو حياتنا وإقناعنا بابتكاراته وبثقافة المنتوجات التي تُسلّينا، ولكنّه فشِل فشلاً ذريعاً في منحنا السعادة التي ننشدها، لأنّ السعادة ليست مادّةً باستطاعتنا شراءها من السوق، بل هي عطية الله إلى أبنائه وبناته المؤمنين.

السوق يُقدّم لنا أشياء صغيرة، تافهة لا قيمة لها بميزان القيَم على تنوّعها، بينما يهبنا الله السعادة الحقيقية التي لا تُوزَن بميزان السوق. وللعريس والعروس يعود القرار بأن يسوقا حياتهما بحكمة وبِخُطى ثابِتَة إلى حيثُ لا تستطيع المياهُ الغزيرة أن تُطفِىءَ الحُبّ (نشيد الأناشيد8: 7) والسعادة، أو أن يتركا للسوق بأن يسوق حياتهما ويلهيهما بقشور التبجُّح والغطرسة، بحيث أنّهما لَن يتمكَّنا يوماً من الدخولِ إلى عمق المعنى الحقيقي لزواجهما، وبالتالي لن يكونَ لزواجهما أيّ مُستقبل؛ فالسوق تهمه جيوبنا لا سعادتنا.