الكلُّ في لبنان ينتظر عودة رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ من ​السعودية​. كانوا يعتقدون أنه ذهب الى الرياض لإستطلاع رأيها في شأن التشكيلة الحكومية، وأحجام القوى السياسية، وخصوصاً بما يخص حزب "القوات"-الحليف الأساسي للمملكة في لبنان. تبيّن خلال وجوده، أن هدف الزيارة عائلي بالدرجة الأولى. قد يكون "الشيخ سعد" أجرى لقاءات سياسية بعيداً عن الإعلام مع المتابعين هناك للشأن اللبناني، خصوصاً أن سفير المملكة كان غادر بيروت أيضاً.

المهم هو أن الحريري صرّح قبل عودته الى لبنان، بما أوحى بتفاؤل حكومي يبشّر بالولادة "بُعيْد عيد الفطر"، وبمشاركة القوى، وتحديداً التي دارت حولها علامات استفهام سياسية لبنانية أو خارجية. تأكيد "الشيخ سعد" إشراك "القوّات"، و"​حزب الله​"، يعني الإصرار على حكومة وحدة وطنية، تعترض تأليفها مطبّات، يُمكن إزالتها.

بالنسبة الى "حزب الله"، لا مشكلة جوهرية، حول ثلاث حقائب يجري التنسيق بشأنها بين "الثنائي الشيعي". أمّا المشكلة فتكمن بغياب التنسيق بين "القوات" والتيار "الوطني الحر". هنا لبّ الأزمة الحكومية التي لم تتحدد سُبل معالجتها. يعني الأزمة هي داخلية بحتة، نتيجة سباق بين التيار البرتقالي و"القوات". هذا السباق قابل للتوسّع، رغم مساعي رئيس "القوات" ​سمير جعجع​ التوسط لدى رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، للتذكير بوقفة "القوات" الى جانبه في انتخابات الرئاسة، ووجود "نوايا" موقّعة بين الفريقين. لكن رئيس التيار "الوطني الحر" وزير الخرجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل يخوض معركة سياسية ضد "القوات" تحدّ من تمددها، بعد نتائج انتخابية بيّنت أن "القوات" تتوسع شعبياً في الساحة المسيحية. هل يقبل باسيل بمطالب جعجع الحكومية؟ لا إمكانية عنده على مساواة القوّتين، ولا قبول بالتمثّل بنموذج "الثنائي الشيعي". رغم الإحراج الذي يلاقيه باسيل مسيحياً، بسبب دغدغة "القوات" لمشاعر المسيحيين بالحديث عن وجوب وحدة الصف في إطار ثنائي. يعرف باسيل أن القبول بمعادلة الثنائية تعني: مساواة بين بعضهما، في الحكومة، في التعيينات الادارية، في الوظائف، وفي المكاسب. كلّه سيكون على حساب تفرّد "البرتقاليين" في إدارة الحصص المسيحية.

الأمر يمكن أن يتّخذ سباقاً سياسياً تصعيديّاً بين الطرفين، الى حد الاختلاف في مقاربة رئاسة الجمهورية لاحقاً، بعد انتهاء ولاية الرئيس عون. لم يعد حزب "القوات" في وارد التراجع عمّا يصفها حقوقه. بالمقابل، لن يتفرّج باسيل على التوسّع القواتي، ولن يوافق على تعزيز حضور خصومه في وزارات ومؤسسات الدولة. ما يعني أن الأمر أبعد من حقائب وزارية، وأحجام حكومية.

تلك هي مهمة الحريري في تفكيك العقد، وتقريب المسافات بين الفريقين، وطرح نفسه ضمانة وسطية بينهما، من خلال موقعه كرئيس للحكومة.

حتى الساعة، تتفوّق سياسة باسيل الداخلية، على مقاربات جعجع. لا يزال رئيس "القوات" يتكئ فقط على ضغوط خارجية لفرض حصّته، ومنع الحريري من الموافقة على طرح ترك "القوات" خارج الحكومة. قد يكون جعجع أخطأ حين عاند الخيار الشيعي بخصوص رئاسة مجلس النواب، معتقداً أن خطوته ستحقق له ربحاً مسيحياً. لكن خطوة جعجع أفقدته دعماً إضافياً كان من الممكن الحصول عليه. صارت خطوة انتخابات المجلس خلف اللبنانيين، بدليل إصرار رئيس المجلس ​نبيه بري​ على حكومة وحدة جامعة، بمشاركة "القوات" أيضاً.

بإنتظار حراك "الشيخ سعد" المتجدّد، ستنصبّ الجهود على خط الرابية-معراب. لكن ذلك لا يمنع وجود مطبّات أخرى، لا تساوي جميعها مشكلة الفريقين المسيحيين.

في الحصص الدرزية، القضية أسهل بفعل تسهيلات يقدّمها النائب ​وليد جنبلاط​، مقابل محاولة فرض توزير النائب ​طلال ارسلان​. يعرف جنبلاط أحجام القوى في الساحة الدرزية، ويدرك جيداً أن ارسلان لا يهدد زعامة المختارة بفعل وجود "المير" في الحكومة. سبق وأن تنازل "وليد بك" لارسلان عن حقائب حكومية، ومقعد نيابي حفظ وجود ارسلان في الواجهة السياسية، لكن تمدّد رئيس حزب "التوحيد" وئام وهّاب هو ما يُقلق الفريقين معاً. الدليل هو نتائج انتخابية نالها وهّاب في الشوف-عاليه، رغم التحالفات التي ركّبوها ضده. لأجل ذلك، سيكون الحل مرتقباً في شأن توزير ارسلان. لأن كلفته على جنبلاط أقل.

في الساحة السنّية، تكمن مصلحة الحريري بتوزير ممثل عن لائحة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. المصلحة ذاتها تقتضي أن يكون وزيرا سنّياً. لأن وجود ميقاتي في المعارضة سيُزعج الحريري سنّياً تحديداً، طيلة وجود "الشيخ سعد" على رأس الحكومة. ستكون طرابلس ساحة للسباق والمزايدات. عندها، سينشغل الحريري بنزاع سياسي، هو بالغنى عنه. لذلك، يعرف رئيس الحكومة المكلّف أن مشاركة ممثل لميقاتي في حكومته ستكون أقل كلفة على تيار "المستقبل".

الاثنين تنطلق المشاورات من جديد، في سباق مع الوقت، وفي ظل ضغوطات سياسية و تحدّيات اقتصادية لا تتحمّل التأخير في استيلاد الحكومة.