يُقال "بَرد أيار خراب للديار". مثلٌ شعبيٌ تحوّل حقيقةً مُرّة مع ختام شهر أيار وبداية شهر حزيران الجاري، نتيجة ​الأمطار​ الغزيرة و​السيول​ الّتي خلّفت أضراراً كبيرة على الطرقات والمنازل والمزروعات، لا سيما في ​منطقة البقاع​ والشمال، حيث تشكّل الزراعة مصدر رزق أوّلي للسكان. مرارة الخسائر هذه لم تحلّيها أي خطة إستباقية أو خطوات عاجلة، تُنقذ ما أمكن من المزروعات الّتي لا تستطيع وحيدةً أن تجابه غزو السيول. فهل المسؤولية تقع على عاتق الدولة فقط، أم أنّ المزارع يتحمّل جزءاً منها؟ وما هي نتائج هذه السيول وتداعيات على المزروعات؟.

مطالبة بصندوق للتعويضات

في هذا الإطار، لفت رئيس تجمّع مزارعي البقاع، ​ابراهيم ترشيشي​ في حديث إلى "النشرة"، إلى أنّه "بشكل عام، لبنان يتأثر بالتقلبات المناخية بدرجة كبيرة، ودائماً تأتي ضدّ مصلحة المزارع. وآخر هذه التقلبات هي تلك الّتي ضربت ​القاع​ وعكار وغيرها من المناطق الشمالية. كما أنّها من حيث القوّة، تأخذ منحى تصاعديًّا سنة تلو الأخرى"، مشيراً إلى أنّ "الخسائر اقتصرت على الماديات ولم تحدث خسائر بشرية"، مبيّناً أنّ "المزارع لا يمكنه وحده أن يتحمّل الأضرار، ومن هنا نحن نطالب دائماً بإنشاء صندوق تعويضات، يتغذّى من الأموال الناتجة عن استيراد الخضار أو الفاكهة من الخارج. طالبنا بالصندوق منذ زمن، ونأمل من المجلس النيابي الجديد أن يقرّه".

وكشف أنّ "​القمح​ تضرّر نتيجة السيول الأخيرة الّتي تسبّبت بإسوداده، وخوفنا ألاّ يعود صالحاً للتسليم. كما أنّ البصل تأثّر وأُصيب بـ"الهريان" نتيجة تعرّضه للحرّ والبرد في يوم واحد"، مشدّداً على أنّ "زراعة البطاطا هي من أكثر الزراعات الّتي تضرّرت". وتابع "اعتدنا في البقاع على أنّ المناخ معتدل، ولكن مؤخّراً كانت تصل درجة الحرارة في النهار الـ36 درجة، وتلامس في الليل 7 درجات، والنبات ليس معتاداً على فرق من 20 إلى 30 درجة في يوم واحد"، مركّزاً على أنّ "​الهيئة العليا للإغاثة​ يجب أن تأتي إلى المنطقة وتعاين الأضرار".

وحول ما إذا كان هناك من خطوات إستباقية يمكن اتخاذها لتفادي أو التقليل من أضرار الأمطار الغزيرة والسيول"، لفت ترشيشي إلى أنّ "هذه مشاكل خارجة عن ارادتنا، السيول لا تأتي في وقت سابق. هذه تقلبات مناخية ولا يمكن التحكم بها".

مواجهة السيول في التشجير

من جهته، أوضح رئيس الحركة البيئية ​بول أبي راشد​، في حديث إلى "النشرة" أنّ "هطول الأمطار يؤدّي إلى انجراف كثيف للتربة، وبدل أن يكون هناك خطّة مبرمجة للتشجير ومكافحة التصحّر، نسرع لمعرفة كيف نعوّض على ​المزارعين​"، مشدّداً على أنّ "المشكلة الأساسية هي التصحّر وانجراف التربة، وغياب سياسة لتشجير المنطقة"، مشيراً إلى أنّ "أحياناً، تقع مسؤولية على المزارع وعلى الأفراد الّذين يبنون أو يزرعون في مجاري المياه، وهذا سيضرّ بهم عند تشكّل السيول وحدوث الإنجرافات".

وأكّد أبي راشد أنّ "خطة تشجير البقاعين الشرقي والشمالي هي ضرورية جدّا. كما أنّ "تجليل" الأراضي هو من الخطوات الّتي تخفّف السيول"، لافتاً إلى أنّ "الدولة لا تهتمّ إلّا ببيروت، وعليها الإهتمام بالأطراف"، مبيّناً أنّ "التشجير يساهم في تحسّن مناخ المنطقة، تخفيف السيول وزيادة المخزون من المياه الجوفية".

وركّز على أنّ "ما نشهده في شهر حزيران هو حقبة "التغيّر المناخي"، وهذا لا يُكافح إلّا بالتصدّي لمسبّبات التغيّر، من خلال عدم زيادة المحارق".

لم يتوقّع اللبنانيون عموماً و​المزارعون​ خصوصاً أن تتحوّل ليالي حزيران، إلى ليال كانونية، حتّى فصل الشتاء لم يشهد مثيلاً لها. المياه نعمة من دون شكّ إلّا أنّ المعنيين والمسؤولين لم يعرفوا الإستفادة منها، أو حماية المواطنين ولو جزئياً من تأثيراتها السلبية. المزراعون يرفضون تحميلهم مسؤولية الأضرار الّتي تلحق بالمزروعات، إلّا أنّ الخبراء يفيدون بأنّ المسؤولية مشتركة، ولو بدرجات متفاوتة.

وسط كلّ ذلك، هل سيأتي يوم لا تتحوّل فيه المياه والأمطار في لبنان إلى نقمة؟ كم نأسف أن نطرح هذا السؤال وكأنّه حلم لبناني صعب التحقّق. ربّما نحن في حاجة إلى استيراد بعض الروبوتات الّتي تمتلك "مشاعر"، علّها تحلّ مكان بعضهم في المسؤوليّات.