إذا صحّ الحديث عن طلب سعودي من رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ التمهّل في عملية التأليف، فإن هناك أسئلة ​لبنان​ية باتت تدور حول المغزى من الطلب السعودي، أهمها:

هل تربط ​الرياض​ بين المستجدات الإقليمية والملف الحكومي اللبناني؟.

تُسجل تطورات متسارعة في ​سوريا​، بوجود سباق إيراني-روسي على فرض النفوذ، لم يعد حكراً على مساحة محددة، بل وصل الى وسط البلاد، بإستحداث الروس مراكز عسكرية لهم في ​ريف حمص​، وتحديداً في القُصير، التي يعتبرها "​حزب الله​" مساحة مناسبة لتواجده، بسبب قربها من الاراضي اللبنانية في ​الهرمل​، وتسهّل عليه التواصل مع كل قواه على الاراضي السوريّة، ويتخذها مركزاً رئيساً لإدارة العمليات العسكرية، خصوصاً ان تلك المنطقة الاستراتيجية تضم مطار الضبعة، ومساحات مشجّرة، تخفي تحركات عناصره، وتمنع التقاط صورهم عبر الاقمار الاصطناعية.

كما تتزايد من جهة ثانية، الضغوطات الدولية على دمشق لتوفير مساحة جنوبية آمنة، وخالية من السلاح، وإبعاد الإيرانيين وحلفائهم عن تلك المساحة التي تمتدّ من الحدود مع ​الجولان​ الى مشارف دمشق.

أين الربط بين مستجدات سوريا و​الحكومة اللبنانية​؟

يقول مطّلعون، إن كل الضغوطات لن تغيّر من حصة "حزب الله" في الحكومة اللبنانية، القائمة على أساس ثلاثة مقاعد وزارية، من بينها حقيبة خدماتية أساسية، كالأشغال العامة والنقل مثلاً، لكن تلك الضغوطات يعوّل عليها المراهنون، لتخفيض سقف حلفاء الحزب في الداخل اللبناني. ولا يستبعد المراقبون أن يكون الهدف بالنسبة الى الرياض، هو "​التيار الوطني الحر​"، للتخفيف من وهج مطالبه الحكومية وقدراته السياسية، مقابل تعزيز وضع "​القوات​" في الاستحصال على نوعيّة جيدة من الحقائب الوزارية. وتقول المعلومات أن السعوديين مستاؤون من وزير الخارجية والمغتربين في حكومة ​تصريف الأعمال​ ​جبران باسيل​، وقد سبق وعبّروا عن ذلك، بإبعاد مدير مكتب الحريري ​نادر الحريري​ الذي ينسّق مع باسيل، عن دوائر القرار السياسي، لكن باسيل أقدم على إحتضان نادر الحريري، الى حد التلويح بتسميته وزيراً من حصة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​.

بالنسبة الى السعوديين، فإن رفع رصيد حزب "القوات" في التركيبة السياسيّة والحكومية اللبنانية هي مسألة اساسية، بعدما ثبّت رئيسه ​سمير جعجع​ حلفه مع الرياض، وتصدّر صفوف المواجهة السياسية مع "حزب الله".

من جهة أخرى، فإن الزيارة المرتقبة لرئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ الى ​السعودية​، ستساهم في إعادة جنبلاط الى "المحور السعودي"، وبالتالي ستسمح بفرض شروطه الحكوميّة لجهة المقاعد والحقائب. علماً أن الحريري سيكون في وضع حرج، بين جنبلاط المدعوم سعوديّاً، والنائب ​طلال ارسلان​ الذي يصرّ باسيل على توزيره من الحصة الدرزية.

ان إستناد السعودية الى سيناريو التصعيد الاقليمي للتخفيف من النفوذ الايراني في سوريا ولبنان، يتكّئ أيضاً على قراءة أبعاد التدخل الأميركي السياسي الثقيل لفرض اتفاقات شرق اوسطية، تقوم على اساس "صفقة القرن".

بالنسبة للمراقبين، لا يمكن إنتظار مسار الوساطة الأميركية، ولا نتائج الضغوط الدولية على الايرانيين، او الخلاف بين ​طهران​ و​موسكو​ بشأن دمشق، لحسم الملف الحكومي اللبناني، بل إن تبيان حجم الضغوط، سيلقى صدى سياسياً واسعاً، ومؤثراً، في لبنان، خصوصاً أن "حزب الله" مستعجل على ولادة الحكومة العتيدة.

لكن المراقبين يعتبرون ان السعودية، لا تعوّل على تلك المستجدات الاقليمية فحسب، بل يطرح المراقبون سؤالاً أيضا: هل تترقب الرياض مزيداً من الضغوط المالية والعقوبات على "حزب الله"، بعدما فشلت كل المحاولات العسكرية، والسياسية لإخضاعه؟.

حجم الأزمة المالية المرتقبة، في حال عدم مسارعة ​بيروت​ الى معالجتها، سيدفع بلبنان نحو الانهيار، وهو سيحقق ضرراً على "حزب الله" وبيئته الاجتماعية التي باتت تئنّ كما كل اللبنانيين من إرتفاع ​أسعار المحروقات​، وهي ترصد الآن ردّات الفعل الشعبية الأردنيّة في التظاهر رفضاً للضرائب.

بكل الأحوال، كلما طال عمر التأليف من دون أسباب جوهرية داخليّة مقنعة، كلما إزداد الشك بوجود موانع اقليمية، ومطبّات خارجية، تمنع تأليفا سريعا للحكومة، وخصوصا السعودية، التي "تمون" على رئيس الحكومة المكلّف.