في الفترة السابقة، كان رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ يؤكد أنه لن يزور الرياض، في حال كان الهدف من دعوته لها إعادة إحياء قوى الرابع عشر من آذار. لكن "البيك" قام، في نهاية الاسبوع المنصرم، بزيارة إلى المملكة، بعد أن سُجلت آخر زيارة له في شهر تشرين الأول من العام 2015.

بالنسبة إلى مصادر مقربة من "الإشتراكي"، الزيارة تأتي في السياق التاريخي للعلاقة بين الجانبين، بالرغم من وجود تباين في وجهات النظر حول العديد من الملفات، حيث هناك مصالح مشتركة بين الرياض والمختارة تفرض عليهما التعاون في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن ​السعودية​ تعتبر الراعي الرسمي لإتفاق الطائف، الذي يعتبر الحفاظ عليه هاجساً أساسياً لدى جنبلاط.

في هذا السياق، تؤكد هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن هذه الخطوة لا تعني بأي شكل من الإشكال الإنخراط في محور إقليمي على حساب الآخر، لا سيما أن رئيس "التقدمي الإشتراكي" مُصرّ للحفاظ على موقعه الوسطي، لا سيما على المستوى الداخلي، حيث يحتفظ بأفضل العلاقات مع رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، الذي قال عنه في أكثر من مناسبة أنه حليفه الوحيد، بينما استقبل، قبل سفره إلى المملكة، وفداً من "حزب الله"، ضمّ المعاون السياسي لأمين عام الحزب ​السيد حسن نصرالله​ الحاج حسين خليل ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا.

من جانبها، تضع مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، هذه الزيارة في إطار الخطوات التي تقوم بها الرياض من أجل "لملمة" القوى المقربة منها على الساحة المحلية، بعد النتائج التي أفرزتها الإنتخابات النيابية الأخيرة، والتي أظهرت تقدم قوى الثامن من آذار على حساب قوى الرابع عشر من آذار، وتشدد على أن هذا الأمر على رأس قائمة أولويات ولي العهد محمد بن سلمان.

وتشير هذه المصادر إلى أن السعودية، على الرغم من أنها غير راضية عن الكثير من المواقف التي يعبّر عنها جنبلاط، لا سيما الإنتقادات العلنية التي وجهها لها بسبب الحرب اليمنيّة، تريد أن يكون جزءاً من التوازن الذي تسعى إلى تحقيقه على الساحة اللبنانية، بالتعاون مع كل من رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ ورئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، خصوصاً أن رئيس "التقدمي الإشتراكي" لا يتردد في التعبير عن معارضته لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وإنتقاده السياسة التي يعتمدها "التيار الوطني الحر".

وتلفت المصادر نفسها إلى أن المملكة تدرك جيداً أنه في القضايا التي تهمها، أي تلك المتعلقة بموقف لبنان من القضايا الإقليمية، جنبلاط غير بعيد عن توجهاتها، لا سيما بالنسبة إلى العلاقة مع الحكومة السوريّة، وهو من أبرز المعارضين لأي تواصل مع دمشق، ومن ناحية أخرى غير "مغرم" بالتوجّهات الإيرانية على مستوى المنطقة، إلا أن لديه مصلحة، بسبب التجاذبات القائمة على المستوى الداخلي، بالحفاظ على علاقاته مع "حزب الله".

في المقابل، توضح المصادر السياسيّة المطلعة أن رئيس "التقدمي الإشتراكي" لديه أيضاً مصالحه مع الرياض، خصوصاً أنها تعتبر من أبرز اللاعبين الإقليميين، وهي من الممكن أن تشكل حاضنة له في ظل المعركة التي يخوضها في مرحلة نقل الزعامة إلى نجله تيمور، بعد أن شعر بتراجع دوره في المعادلة المحلية، خصوصاً بعد توتر علاقاته مع تيار "المستقبل" خلال مرحلة الإنتخابات النيابية رغم تحالفهما في أكثر من دائرة، وحتى اليوم لا يمكن القول أن هذه العلاقة عادت إلى سابق عهدها، إلا أن السعودية يمكن أن تلعب دوراً بارزاً على هذا الصعيد، لا سيما أن رئيس الحكومة المكلف غير راغب في إغضابها.

على الرغم من ذلك، تشدد هذه المصادر على أن جنبلاط يدرك، أكثر من غيره، خطورة الإنخراط في أي محور إقليمي في هذه المرحلة، لا سيما أنه خاض مثل هذه التجربة في السابق، من العام 2005 حتى العام 2008، حين فرضت عليه أحداث السابع من أيّار القيام بمراجعة سياسية، قادته إلى موقعه الوسطي الذي لا يفضل الخروج منه، وبالتالي هو سيبقى في مكانه حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود ممّا يجري على مستوى المنطقة.

في المحصلة، يسعى رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" للحفاظ على موقعه في المعادلتين المحلية والإقليمية، وهو من أجل ذلك يعتمد سياسية وضع قدم في الرياض وأخرى في حارة حريك، على قاعدة عدم إحراق مراكبه مع أي محور.