لا شك ان شخصية ومواقف وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال ​جبران باسيل​ تقسم ال​لبنان​يين بين مؤيد ومعارض له، ولا شك ان لكل من الطرفين المنقسمين اسبابه الخاصة التي يتلوها بإسهاب اما دفاعاً عنه واما انتقاداً له. ليس من السهل اعطاء موقف واحد عن باسيل، لان المواضيع التي يتطرق اليها متشعبة وكثيرة، وهو يصيب ويخطىء في البعض منها، وينجح ويفشل في الاقناع في احيان اخرى.

في الموقف الاخير الذي اتخذه لجهة وقف طلبات الإقامة المقدّمة لمصلحة مفوّضية ​الأمم المتحدة​ لشؤوناللاجئين، وتحذيره من اتخاذ خطوات تصعيدية اخرى، اثار باسيل الكثير من ردود الفعل، فمنهم من اعتبر انه اعاد للبنان موقعه وسيادته، ومنهم من ذهب الى حد القول انه فتح معركة على العالم بشكل غير مناسب ودون اي حساب لخط العودة.

في المبدأ، ووفق رأي موضوعي، لا يختلف اثنان من اللبنانيين على ان بقاء النازحين السوريين في لبنان يحمل معه تحديات خطيرة، ويراكم العلاقات غير السوية بين اللبنانيين والسوريين بالنظر الى تأثيره الامني والاقتصادي والديموغرافي حتى، ولعل "الفورة" التي شهدناها من خلال مرسوم منح الجنسية لسوريين وفلسطينيين كفيل بإثبات هذه النظرية، رغم وجود اهداف سياسية اخرى مرتبطة بهذا الموقف.

من المنصف القول ان باسيل اصاب باتخاذه هذا الموقف، ولكنه اخطأ بطريقة التعاطي معه، بمعنى ان الشريحة الكبرى من اللبنانيين تؤيده في ايصال رسالة مفادها الامتعاض من "اللادور" الذي تقوم به المفوضية الدولية في هذا الشأن، حيث انها تقدم بعض الخدمات للنازحين، ولكنها تكتفي بذلك، دون متابعة امكان عودتهم الى بلدهم، او مساعدة لبنان على وضع خطة عملية ووفق فترة زمنية مقبولة تسمح بتقليل العدد اولاً حتى الوصول الى عودة النازحين بشكل كامل ثانياً. ويقول الكثيرون من المتابعين لوضع النازحين وطريقة تعاطي المفوضية معهم، ان الاخيرة توحي وكأن على النازح السوري خطر داهم اذا عاد الى وطنه، وكأنها تشجعه (دون ان تقولها مباشرة) بالبقاء على الاراضي اللبنانية. هذا الامر يجعل اللبنانيين يركّزون على "تراخي" الامم المتحدة في هذا الموضوع، فيما الوقت لا يمرّ لمصلحة لبنان لان الاعداد تزداد عاماً بعد الآخر، وقد يتحول الى امر واقع بعد مرور سنوات (تم بالفعل مرور نحو 7 سنوات على تواجد النازحين في لبنان)، ونعيش وضعاً اكثر صعوبة من تواجد ​اللاجئين الفلسطينيين​ في لبنان.

ولكن ازاء هذا الموقف الصائب، يأخذ البعض على باسيل انه لجأ الى استعمال السلاح المتوسط باكراً، بينما كان الاجدى به اللجوء الى السلاح الخفيف والتدرج وصولاً الى الاسلحة الثقيلة. ولعل التهديد من خلال اعطاء فترة زمنية قصيرة لالزام المفوضية على اجراء حوار بنّاء مع الخارجية حول طريقة التعاطي مع النازحين كان من المرجح ان يعطي ثماره، اما قطع اكثر من نصف الطريق نحو السلاح الثقيل، ففيه بعض المخاوف. والاجراء الاقصى الذي قد تصل اليه الامور، هو ابلاغ المفوضية بأنه غير مرغوب فيها في لبنان، وهو امر سيؤدي الى زيادة المشاكل اللبنانية في التعاطي مع النازحين، ناهيك عن ردود الفعل الخارجية على مثل هذا الامر، ولو ان الجميع يعلم بأن ما تقوم به المنظمة مجرد احاطة ادارية بالملف فقط لا غير.

طبيعي الا تصل الامور الى حد القطيعة بين لبنان والامم المتحدة او الخارج لان لا مصلحة لاي منهما في ذلك، ولكن من المهم ايضاً الانتباه الى الطريقة الجيدة التي تعاطى بها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ مع المسألة لدى استقباله منذ ايام وفداً برلمانياً اوروبياً، اذ استعمل "التهديد المبطّن" الذي طرحته تركيا قبلاً وعدد من الدول، ومفاده ان استفحال الازمات في لبنان سيؤدي حتماً الى توجيه بوصلة النزوح السوري نحو ​اوروبا​. هذا الامر كفيل بدق ناقوس الخطر الاوروبي والعالمي، لان مشاهد تدفق السوريين الى عدد من الدول الاوروبية لم يخرج من اذهان الاوروبيين، والتدابير التي اتخذت في حينه بهدف منعهم من الدخول الى القارة العجوز، وصلت الى اقصاها دون ان يصدر اي موقف مندد او معارض احتراماً لسيادة الدول على اراضيها، وآخر هذه التدابير ما حصل مع باخرة للنازحين امس رفضت ​ايطاليا​ استقبالها، فرست في ​اسبانيا​.

على المنظمة الاممية ان تعيد حساباتها لجهة طريقة التعاطي مع لبنان في هذا الملف، فهي كانت قاسية في التنديد بعودة قسم صغير من النازحين الى ​سوريا​، علماً انه من صلب واجباتها تقديم الرعاية لهم مع البحث في السبل الكفيلة لتأمين عودتهم. اما باسيل، فكان يمكن ان يخفف اللهجة ويلعب على وتر الخطر الذي يمكن ان يلوح في اوروبا اذا لم تحل القضية في لبنان، ولكن مع رفعه السقف منذ الجولة الاولى، فقد اصبح اقل قدرة على التحرك التصعيدي في المرحلة المقبلة.