Axis of Evil وترجمتها "محور الشرّ" هي عبارة وردت بداية في خطاب للرئيس الأميركي الأسبق جورج وولكر بوش في العام 2002، وقصد بها ​إيران​ والعراق و​كوريا الشمالية​، في حين إستخدم السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة ​جون بولتون​ عبارة Beyond the Axis of Evil وترجمتها "ما وراء محور الشرّ" ليُشير إلى كل من سوريا وليبيا وكوبا. وقد تردّدت كل من هاتين العبارتين كثيرًا على لسان كبار المسؤولين الأميركيّين خلال السنوات الماضية، قبل أن تُغيّر الحروب وبعض الإتفاقات هذا التصنيف. فمن بقي اليوم مِمّا يُسمّى "محور الشر" ومَن خلفه أيضًا؟.

لا شكّ أنّ العراق الذي شنّت عليه الولايات المتحدة الأميركيّة حروبًا مباشرة، صار خارج هذا التصنيف، ولوّ أنّ المُحاولات الأميركيّة لجعل النظام العراقي مُؤيّدًا لواشنطن قد فشلت. واليوم، وبعد الإتفاق بين الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ والزعيم الكوري الشمالي ​كيم جونغ أون​، سيتمّ حتمًا إخراج هذه الأخيرة من هذا المحور، وهو الأمر الذي كان مُتوقّعًا منذ مدّة على الرغم من التراشق الإعلامي والسياسي العالي السقف الذي دار بين الطرفين، والذي أدرجه المُراقبون في حينه في خانة رفع شروط التفاوض بهدف تحصيل أكبر قدر مُمكن من المكاسب عند توقيع أي إتفاق يُنهي عُقودًا من التوتّر والخلافات. ولأنّ الإدارة الأميركيّة بحاجة إلى دول مُصنّفة "شرّيرة" لأكثر من سبب عسكري وسياسي وإقتصادي، ولأن الإتفاق غير المُتكافئ الذي كان الرئيس الأميركي السابق ​باراك أوباما​ قد وقّعه مع إيران في تمّوز من العام 2015 إلى جانب مجموعة من الدول الكبرى، صبّ في صالح إيران وأضرّ بمصالح ​الولايات المتحدة الأميركية​ وبمصالح حلفائها في الشرق الأوسط والمنطقة العربيّة، قام الرئيس ترامب بسحب بلاده من هذا الإتفاق في أيار الماضي، لتُصبح إيران الدولة الوحيدة التي بقيت من هذا المحور "الشرّير"–بحسب التصنيف الأميركي.

حتى أنّ تصنيف دول "ما وراء محور الشرّ" تغيّر، باعتبار أنّ الحرب الأهليّة دمّرت ليبيا وأخرجتها من موقعها السابق المُعادي لأميركا، وجعلتها غارقة في مشاكلها الداخليّة، في حين أنّ كوبا التي قام الرئيس ترامب بإلغاء إتفاق سلفه أوباما معها أيضًا، لم تعد دولة مُعادية كليًا للإدارة الأميركيّة كما كان الحال عليها خلال العُقود الماضية، علمًا أنّ قرار ترامب إلغاء الإتفاقات الأميركيّة معها، بذريعة مُطالبتها بإطلاق السُجناء السياسيّين وبتشريع العمل الحزبي وحرّية الرأي السياسي وبإجراء إنتخابات حرّة بإشراف دَولي، يهدف إلى إعادة التفاوض من جديد، وبالتالي إلى الحُصول على شروط أفضل من تلك التي كسبتها الإدارة الأميركيّة السابقة. وبالنسبة إلى سُوريا التي دمّرتها الحرب المُتعدّدة الأطراف على أرضها، فإنّها لم تعد تُشكّل خطرًا قائمًا بحد عينه، حيث صار التعامل معها كجزء مُلحق بالصراع الإقليمي مع إيران، وكجزء مُلحق بالصراع الدَولي مع ​روسيا​ الإتحاديّة.

وبالتالي، من بين ست دول شكّلت في الماضي القريب، "محورًا للشرّ" ومحورًا داعمًا له أيضًا-ودائمًا بحسب رأي الإدارة الأميركيّة، لم يبقَ سوى إيران في موقع الخُصومة الفعليّة لواشنطن، كونها الدولة الوحيدة التي لم تُدمّرها الحروب ولم تُروّضها الإتفاقات التشجيعيّة، بحيث حافظت على سياستها المُناهضة لسياسة الولايات المتحدة الأميركيّة، وراحت توسّع نُفوذها الأمني والسياسي على المُستوى الإقليمي. من هنا، فإنّه مع طيّ صفحة التوتّر مع كوريا الشمالية، وبعد إلغاء الإتفاق النووي مع إيران من جانب إدارة الرئيس ترامب، سيتركّز الجُهد الأميركي في المرحلة المُقبلة ضدّ إيران التي ستعود من جديد إلى رأس لائحة الدول التي تُواجهها أميركا على الساحة العالميّة.

ويُمكن القول في الخلاصة، إنّ دول شرق آسيا ستعيش مرحلة من الإزدهار الإقتصادي بعد مُوافقة كوريا الشمالية على التخلّي عن برامجها النووية والصاروخيّة وسياستها الإستفزازيّات لكثير من دول الجوار والعالم، في مُقابل إكتسابها شرعيّة دوليّة إفتقرتها طوال عُقود، وكذلك في مُقابل حُصولها على مُساعدات وإستثمارات من شأنها إستنهاض وضعها الإقتصادي والمالي المُتدهور. لكن في المُقابل، ستعيش دول الشرق الأوسط، إرتدادات سلبيّة للإتفاق بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركيّة، لأنّ هذه الأخيرة ستنقل كل ضُغوطها ومحاولات بسط نُفوذها وسيطرتها إلى إيران التي لا تبدو بدورها بصدد التنازل عن رفع سُقوف المُواجهة مع أميركا وحلفائها! وبكل بساطة إن تبريد الجبهة الآسيويّة سيكون على حساب إعادة تسخين الجبهة شرق الأوسطيّة، للأسف الشديد!