في وقت تشير المعطيات إلى أنّ مفاوضات تأليف ​الحكومة​ ستأخذ "استراحة" بدءاً من اليوم حتى ما بعد عطلة عيد الفطر، وهي فترة قد تكون كافية لرئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ لـ"جسّ نبض" الخارج، فإنّ ما تسرّب عن لقاء "رفع العتب" الأخير بينه وبين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ والذي أوحى بحصول تقدّم لا يبدو ملموساً كرّس العُقَد، بل رسّخ ما يُحكى عن "ازدواجية معايير" قد لا يكون مُتاحاً إبصار الحكومة النور في ظلّها.

خرج الحريري من اللقاء مجدّداً التأكيد أنّه لن يتنازل عن أيّ مقعدٍ سُنّي في الحكومة، سوى على طريقة "التبادل" مع رئيس الجمهورية، كما حصل في الحكومة السابقة، بحيث يحصل على مقعد مسيحي مقابل سُنّي يسمّيه الرئيس، بل أكثر من ذلك، قيل إنّ الأخير "تعهّد" له بأن يكون من سيسمّيه محسوباً على كتلة "لبنان القوي" وليس على السنّة المعارضين له، الممثَّلين في ​المجلس النيابي​ بعشرة نواب.

في المقابل، تسرّب أيضاً أنّ هناك إصراراً على توزير النائب والوزير ​طلال أرسلان​، وهو الدرزي الوحيد في البرلمان من خارج عباءة "​الحزب التقدمي الاشتراكي​"، ما يزيد من التعقيد الحكوميّ، إذ كيف يحقّ لأرسلان، ولو مُنِح كتلة من أربعة نواب ثلاثة منهم مسيحيون، أن يوزَّر، ولا يُعطى هذا الحقّ لسُنّة "8 آذار"، الذين، ولو لم يتّحدوا، ينتمي أغلبهم إلى كتلٍ رباعيّة أيضاً؟!.

عقدة "مستعصية"؟!

منذ ما قبل بدء مفاوضات تأليف الحكومة، يتمّ الحديث عن "عقدة درزية" على خطها، على خلفية الخلاف الذي استجدّ بعد ​الانتخابات​ بين رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، ورئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" الوزير طلال أرسلان، والذي لطالما كان جنبلاط نفسه يحفظ مقعده الوزاري، تماماً كالنيابيّ ولو من دون تحالف.

إلا أنّ تفاهم الأمس لم يعد سائداً اليوم، وبات "​اللقاء الديمقراطي​" رافضاً للتنازل عن أيّ مقعدٍ لأحد، مدعوماً بالنتائج التي حققها في الانتخابات، التي وعلى الرغم من أنّها قلّصت حجم كتلة جنبلاط، إلا أنّها رسّخت "زعامته" الدرزية مع حصوله على جميع مقاعد الطائفة باستثناء مقعدين، الأول تُرِك شاغراً أصلاً لأرسلان، والثاني ذهب للنائب ​أنور الخليل​، المتحالف مع "الاشتراكي". وعلى الرغم من أنّ أرسلان نجح في تشكيل كتلة "رباعية" معظم أعضائها من المحازبين في "​التيار الوطني الحر​"، فإنّ ذلك لم يدعم كثيراً موقفه، بقدر تسلّحه بتحالفه مع "التيار"، وما حُكي عن وعودٍ وضماناتٍ قُدّمت له من جانب رئيسه الوزير ​جبران باسيل​.

ولعلّ المفارقة الجديرة بالانتباه أنّ أيّ تقدّم لم يسجَّل على خط هذه العقدة حتى اليوم، بل إنّ المعنيّين "يتذمّرون" من أنّ أيّ كلامٍ جدّي لم يحصل معهم حتى الآن، وكلّ ما يُحكى عن حلول يسمعونها عبر الإعلام، على غرار ما حُكي عن "تسوية" تقوم على مبدأ "التبادل"، بحيث يُعطى جنبلاط مقعداً مسيحياً في الحكومة من حصّة رئيس الجمهورية، مقابل توزير الأخير لأرسلان، وهو ما لا يبدو، حتى الآن على الأقلّ وبانتظار وصوله عبر القنوات الرسمية، مقبولاً لدى "البيك". ولا شكّ أنّ الحديث عن "إحراجه" عبر إسناد حقيبةٍ سياديّة لأرسلان كحقيبة الدفاع، في سابقةٍ من نوعها منذ سنواتٍ طويلة، زاد الطين بلّة، لأنّه فُسّر في المختارة من باب "الاستفزاز"، الكفيل بتحويل العقدة إلى "مستعصية" إن استمرّ أسلوب التعاطي على حاله.

ازدواجية ولكن...

عموماً، وبمعزلٍ عمّا إذا كانت "العقدة الدرزية" ذاهبة إلى الحلّ في نهاية المطاف، عبر "تسوية" بين جنبلاط وأرسلان لا يبدو التوصّل إليها مستحيلاً بالنظر إلى التجارب السابقة، ولو كانت الأجواء "مشحونة"، فإنّ علامات استفهامٍ كُبرى تُطرح حول "الازدواجية" بين معاملة أرسلان، ومعاملة النواب السنّة من خارج عباءة "​تيار المستقبل​".

ففي مقابل إصرار الرئيس عون على توزير أرسلان بأيّ شكلٍ من الأشكال، وحياد الحريري إن جاز التعبير، يصرّ الأخير على أن لا مكان في الحكومة، التي يقول إنه يريدها حكومة وحدة وطنية، لسُنّة "8 آذار" أو المعارضين له، بل إنّ "المفاجأة" تجلّت في موقف رئيس الجمهورية، الذي قيل إنّه "تعهّد" للحريري بأن لا يكون الوزير السنّي الذي سيسمّيه محسوباً على هؤلاء، فكيف يمكن للرئيس أن يدافع عن توزير نائب درزي لم تفرز الانتخابات درزياً معارضاً غيره، ويغضّ النظر في المقابل عن تمثيل عشرة نواب سُنّة معارضين أفرزتهم الانتخابات نفسها، التي يريد الحكومة ترجمة لنتائجها كما يقول؟

ولكن، ثمّة من يقول، إنّه إذا كان أرسلان مدعوماً من "التيار"، فإنّ السُّنّة المعارضين للحريري لديهم أيضاً من يدعمهم، في إشارة تحديداً إلى الثنائي الشيعي، ممثلاً في رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ و"​حزب الله​"، اللذين سيشترطان "في لحظة الجدّ" تمثيل هؤلاء بمقعدٍ وزاريّ، تحت طائلة "فرط" الحكومة بمن فيها، وهو ما لن يكون في صالح الحريري. إلا أنّ بعض الأوساط تذهب أبعد من ذلك، لتستبعد أن يكون الأخير رافضاً بالمُطلَق لتوزيرهم، واضعة تكرار كلامه اليوم في سياق "رفع الأسقف" ليس إلا، والذي بدأ يؤتي ثماره، بدليل تراجع مطالب معارضيه من حقيبتين إلى حقيبة واحدة، بل إنّ هناك من يقول إنّ الحريري اختار سلفاً "مرشحه المفضّل" من معارضيه، وهو النائب ​فيصل كرامي​، على اعتبار أنه "أهون الشرور"، خصوصاً أنه ليس مستعداً لتقاسم "الجنة الوزارية" مع رئيس الحكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​.

المعايير الغائبة...

قد تكون العقدتان الدرزية والسنية في نهاية المطاف أخفّ وطأة من تلك المسيحية، في ضوء السباق الشديد على الحصص بين "التيار الوطني الحر" و"​القوات اللبنانية​"، فضلاً عن الكتل الأصغر نسبياً كـ"المردة" و"​الكتائب​"، وفي ظلّ اعتقادٍ بأن جنبلاط والحريري لن يتردّدا في تقديم التنازلات لتسهيل تأليف الحكومة ولن يغامرا بفرطها، عندما تدقّ لحظة الجدّ.

لكن، رغم ذلك، فإنّ العقدتين الدرزية والسنية أبرزتا من جديد غياب المعايير بشكلٍ كامل في عملية التأليف التي تبقى خاضعة حتى إشعارٍ آخر لعاطفة هذا ومزاجية ذاك، خصوصاً أنّ حلّ أحجية التنظير لحقّ نائبٍ وحيدٍ بالتوزير مقابل إنكار حقّ عشرة نواب آخرين يبقى بعيد المنال، أقلّه من حيث المنطق...