بين نظرية قرب تشكيلة ​الحكومة​ المُقبلة ضمن التسوية الشاملة المُتفق عليها، وحديث رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي عن عدم تشغيل محرّكات التأليف بعد... تناقض كبير. وبين رغبة رئيس الحكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ تشكيل حُكومة بتوازنات سياسيّة شبيهة جدًا بتوازنات حكومة ​تصريف الأعمال​ التي كانت قد شُكّلت في 18 كانون الأوّل من العام 2016 تتويجًا للتسوية السياسيّة التي أعادت في حينه الحريري إلى منصب رئاسة الوزراء، والتي أدّت إلى إنتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجُمهوريّة، وسعي كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"الثنائي الشيعي" إلى تشكيل حُكومة بتوازنات سياسيّة تعكس نتائج الإنتخابات النيابيّة بدقّة... تناقض كبير أيضًا، يعكس مُواجهة صامتة بين مشروعين متناقضين. فهل يُمكن التوصّل إلى تسوية وزاريّة في ظلّ هذا التناقض؟.

في الحُكومة الماضية التي صارت حاليًا بوضعيّة تصريف الأعمال، نال كل من "تيّار المُستقبل" و"​القوات​ اللبنانيّة" و"الحزب التقدّمي الإشتراكي" ما مجموعه 12 وزيرًا إضافة إلى منصب رئاسة الحُكومة، الأمر الذي إعتبر في حينه إنتكاسة سياسيّة لما كان يُعرف بقوى "14 آذار" التي كانت تحظى في الحكومات السابقة بأغلبيّة عدديّة واضحة، إلى درجة كان معها الفريق المُقابل يخوض معارك سياسيّة وإعلاميّةلنيل "الثلث الضامن أو المعطّل"! ويُحاول رئيس الحكومة المُكلّف اليوم، التسويق لحكومة شبيهة بتوازناتها بالحكومة الأخيرة، بحيث ينال "تيار المُستقبل" مع "القوات" والإشتراكي" 12 أو 13 وزيرًا إضافة إلى منصب رئاسة الحُكومة، في مُقابل 16 أو 17 وزيرًا لباقي الأفرقاء ضمن حكومة ثلاثينيّة جديدة. وهو تمسّك بالحصّة السنّية كاملة، مُبديًا إستعداده للتنازل عن مقعد سنّي لصالح رئيس الجمهورية في مقابل نيل مقعد مسيحي، تمامًا كما حصل سنة 2016 عندما جرى تعيين الوزير السنّي طارق الخطيب من حصّة رئيس الجمهورية في مقابل الوزير الماروني غطاس خوري من حصّة رئيس الحكومة.

في المُقابل، إنّ "الثنائي الشيعي" يُطالب بالحقائب الشيعيّة الست لصالح كل من "​حركة أمل​" التي تتمسّك بوزارة المال، و"​حزب الله​" الذي يُطالب بوزارة خدماتية وازنة، والذي يرفض تمثيل القوى الحليفة من حصّته، كما حصل في حكومة تصريف الأعمال الحالية، عندما تنازل عن مقعد شيعي لتمثيل "الحزب القومي"، حيث يعمل "الثنائي الشيعي" حاليًا على تمثيل القوى الحليفة، مثل "القومي" والمردة" بوزراء مسيحيّين، وإلى تمثيل النوّاب السنّة الذين فازوا بالإنتخابات من خارج عباءة "تيّار المُستقبل" بوزير سنّي واحد على الأقلّ، ما يعني عمليًا المُطالبة بالتمثّل بما مجموعه 9 حقائب وزاريّة. وعلى خطّ مُواز، يُطالب "التيّار الوطني الحُرّ" الذي يتمثل في حكومة تصريف الأعمال بأربعة وزراء، يُضاف إليهم خمسة وزراء إعتبروا في حينه من حصّة رئيس الجمهورية (لعدم منح "القوّات" أكثر من أربعة وزراء (من ضمنهم وزير حليف) بعد إتفاقها مع التيّار" على التمثيل المُتوازن في إطار "تفاهم معراب")، برفع تمثيل "التيّار" والرئيس مجتمعين، من 9 وزراء حاليًا إلى 11 وزيرًا في الحُكومة المقبلة. وهذا يعني عمليًا، المُطالبة بما مجموعه 20 وزيرًا بحُكومة ثلاثينيّة، علمًا أنّإستجابة رئيس الحُكومة المُكلّف لهذا المطلب يعني حصر تمثيل كل من "المُستقبل" و"القوات" والإشتراكي" وربما "​الكتائب​" بما مجموعه 10 شخصيّات، من بينها رئيس الحكومة نفسه، وهذا ما لن يقبل به، بحسب كل المعلومات المتوفّرة.

وبالتالي، يُمكن الحديث عن مُواجهة صامتة قائمة حاليًا بين مشروعين مُتناقضين، الأوّل يُحاول تسويقه الحريري وهو يسعى من خلاله إلى تمثيل حُكومي مُتوازن سياسيًا، تحت سقف حُكومة وحدة وطنيّة، شبيهة بأحجامها وبتقسيماتها وبتوازناتها بحكومة "الوفاق الوطني" الحالية، والثاني يُحاول تسويقه "الثنائي الشيعي" و"التيّار"–ولوّ من إعتبارات ومُنطلقات مُختلفة، ويقضي بتشكيل حُكومة تعكس بدقّة نتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، والتي أعطت تحالف "التيّار–حزب الله" أغلبيّة عدديّة واضحة، بغضّ النظر عن الجدل الذي دار بشأن إذا كانت هذه الأغلبيّة تدور في فلك السياسة الإيرانيّة أم أنّها مُستقلّة عنها ولبنانيّة القرار بشكل كامل.

وفي الختام، الحكومة الجديدة ستتشكّل في نهاية المطاف، حتى لو إستغرقت عمليّة تشكيلها بعض الوقت نتيجة عمليّة "شدّ الحبال" الحاصلة حاليًا، والتي تدور بشكل شبه صامت حتى إشعار آخر. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه: هل ستكون التنازلات مُتبادلة للتوصّل إلى تسوية وسطيّة بين الإقتراحين والمشروعين المُتناقضين، أم أنّ أحد الأفرقاء سينجح بفرض وجهة نظره على الآخرين؟.