يخضع ال​فلسطين​يون في أصقاع المعمورة لشتى أنواع الاختبارات، ما يستنفد الصبر المرتبط بصبر أيوب، نسبة للنبي أيوب عليه السلام، وهو الذي سكن أرض فلسطين، قبل أنْ ينتقل إلى بقاع أخرى، ومنها لبنان، وصبر في مرضه وابتلائه في مسيرة اختبار طويلة وصولاً إلى معافاته.

هذا الإختبار يخضع له الفلسطينيون في أكثر من مكان، ومنه الآن في مخيّم ​عين الحلوة​، بعد وضع بوابات إلكترونية على مداخله لتفتيش العابرين من وإلى المخيّم، والتي بين الإبقاء عليها وإزالتها اختبار للمعدن الوطني فلسطينياً ولبنانياً، لأنّ الغاية المنشودة من وضعها هي تفتيش العابرين، والتأكد إذا ما

كانوا يحملون أسلحة أو متفجّرات أو ممنوعات، وعدم السماح للمطلوبين بالدخول أو الخروج من المخيّم.

لقد ثبت أنّ المطلوبين يدخلون ويغادرون المخيّم، وبعضهم يعود مجدّداً عبر وسائل تهريب خاصة، ويصلون إلى الأماكن التي يريدونها مقابل بدل مادي باهظ - أي أنّ لهم حرية الحركة - وهو ما يطرح تساؤلاً عن محاسبة ومعاقبة مَنْ يؤمّن التهريب وبطرقه الخاصة، وحُكماً لن تُجدي نفعاً لا الإجراءات الأمنية ولا البوابات الالكترونية.

وهذا يعني أنّ الضحية سيكون المواطن، الذي يخرج ويدخل إلى المخيّم سيراً على الأقدام، وهم من الكادحين، العمّال في البناء والزراعة، والطلاب، والموظّفين، الذين لكل منهم ظروفه سواء لتوفير أجرة النقل أو لقطع مسافة الحاجز سيراً على الأقدام واستخدام وسيلة نقل سيارة أو فان خارج المخيّم، لتجاوز الازدحام على مداخله.

معاناة مضاعفة

وكأنّه لا يكفي ​اللاجئين الفلسطينيين​ في لبنان ما يعانونه من الوضع الاقتصادي الصعب وقوانين جائرة لا تقر بالحقوق الاجتماعية والمعيشية والمدنية وحق العمل والتملّك لهم، لتزيد من تلويح

"​الأونروا​" بين حين وآخر بوقف خدماتها وتصفيتها، وتُضاف إليها في المخيّم الإجراءات المشدّدة، التي تأتي بعد بناء الجدار حوله، والذي ثبت أنّه لم يحل دون دخول أو خروج المطلوبين، بل اعتبر أبناء المخيّم، غير المقتنعين بإقامته، أنّه ربما لحمايتهم من هجوم أو اعتداء من خارجه!

وإذا كانت الظروف في هذه المرحلة في أوجها من العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، بما في ذلك مع ​الجيش اللبناني​ الوطني و​الأجهزة الأمنية​، فالمطلوب تطوير هذه العلاقات، خاصة أنّه لا البوابات ولا غيرها من الإجراءات تحول دون قيام من يريد التوتير بما يسعى إليه، ويعمل وفق "أجندة" من تنفيذ المخطّط، لكن تأمين بيئة متفاهمة للواقع وتعمل على تعزيز الوحدة ​الداخلية الفلسطينية​ والشراكة اللبنانية، هي الكفيلة بإفشال المخطّطات، والتجارب على ذلك عديدة، وثبت فيها أنّ الفلسطيني ليس لديه لا مشروع سياسي ولا أمني ولا عسكري على الساحة اللبنانية، بل ينتظر تحقيق حلمه بالعودة إلى أرض الوطن فلسطين.

وطالما أنّ الجميع يعرف بأنّ قضية اللاجئين الفلسطينيين مستهدفة، وفي الطليعة منها "عاصمة العودة إلى فلسطين"، مخيّم عين الحلوة، الذي تخطّط له المؤامرات لإحداث فتنة داخلية أو مع الجوار وتدميره، كما حصل في مخيّم نهر البارد، يوم اختطفت مجموعة إرهابية من "​فتح الإسلام​" المخيّم،

واعتدت على الجيش اللبناني (20 أيار 2007)، الذي تمكّن من القضاء عليها (2 أيلول 2007)، بعدما تكبّد خسائر فادحة، باستشهاد 172 وسقوط عشرات الجرحى، وكان الفلسطيني في مخيّم عين الحلوة يتأهّب للتوجّه إلى نهر البارد، والتصدّي للمجموعات الإرهابية ومواجهتها جنباً إلى جنب مع الجيش اللبناني، لكن هناك مَنْ أجهض ذلك، من مسؤولين رسميين لبنانيين وقيادات فلسطينية، استجابة لمطالب أجنبية، ليس المجال الآن لاستعراضها!

سحب فتائل التوتير

وفي المحطات الصعبة، ثبت أنّ هناك تعاوناً فلسطينياً بعدم الدخول في أتون الصراع الداخلي اللبناني، وجرى تسليم عدد من المطلوبين البارزين، وسحب فتائل التوتير بعد توقيف بعضهم، وفي مقدّمة ذلك:

- رفض إغراءات لمناصرة إمام "مسجد بلال بن رباح" - سابقاً - عبرا ​الشيخ أحمد الأسير​ الحسيني، لدى اعتداء مجموعته على الجيش اللبناني في عبرا (23 حزيران 2013)، حيث عاد الموفد مع أمواله خائباً، وكان الجواب: "نأكل الخبيزة ولا نخوض فتنة واعتداء على الجيش اللبناني الوطني".

- المساعدة بتوقيف وتسليم خالد محمد مسعد (خالد السيد)، بعد المطالبة به، لأنّه الرأس المدبّر في "شبكة الربيع" بتفجيرات ​شهر رمضان​ الإرهابية، فأوقف من داخل مخيّم عين الحلوة (1 تموز 2017) وسُلّم إلى ​الأمن العام اللبناني​، وهو ما أطلق عليه مديرها العام ​اللواء عباس إبراهيم​ "عمل أمني نظيف جداً من خلال القوّة الناعمة".

- سحب فتائل التوتير بعد توقيف وحدة خاصة من الجيش اللبناني لأمير "داعش" في لبنان ​عماد ياسين​ ياسين في منطقة تعمير عين الحلوة (22 أيلول 2016)، وعدم السماح بتوتير الأجواء.

وغيرها العديد من المحطات، وهذا يؤكد أنّ التعاطي مع الملف الفلسطيني يكون بشمولية وليس من الزاوية الأمنية فقط، خاصة بإجراءات يمكن أنْ تزيد حالة التذمّر والغليان، وتجد مستفيدين يعملون على تأجيج ذلك، وعندها يقع المحظور.

لذلك، فإنه ضروري العمل على ترسيخ الشراكة اللبنانية - الفلسطينية، بمسؤولية الجميع لبنانيين وفلسطينيين وعلى مختلف المستويات، لأنّ المستفيد من أي توتير أو خلل في العلاقات هو العدو الصهيوني، من خلال شبكاته التجسّسية وخلاياه الإرهابية، والتي يمكن أنْ تستغل هذا الواقع لخلق فتنة.

لقد فشل الإحتلال الإسرائيلي في مخطّط وضع البوابات الإلكترونية عند أبواب ​المسجد الأقصى​ المبارك (14 تموز 2017)، حيث اضطر إلى نزعها، بعدما رفض المصلّون الدخول لأداء الصلوات في المسجد المبارك من خلال هذه البوابات، فكانت وحدة إسلامية مسيحية أفشلت المخطّط.

حبّذا لو يتم الإسراع بإلغاء فكرة هذه البوابات الإلكترونية، حتى لو تم التبرير بأن استخدامها سيكون عند الضرورة فقط، لأنّه ثبت أنّ الأبراج التي نُصِبَتْ فوق الجدار المشاد في محيط المخيّم لم تعط ثمارها، وأكثر من برج منها تمَّ تعديل مكان إقامته لاعتبارات شرعية، بكشف حرمات بعض المنازل، فكيف ببوابات ستضطر إلى التزمير في كل لحظة للذكور والإناث، وما يعني ذلك من احتمالات توتير مضاعفة، والتشظّي من انفجار الألغام إذا لم يتم إبطال مفعول صواعقها، مع وجود مَنْ يغذّي النعرات ويؤجّج المشاعر، بذريعة الغيرة على الدين.