فجأة، ومن دون سابق انذار، اشعل النائب السابق ​وليد جنبلاط​ فتيل الازمة مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​. لم تأخذ العملية اكثر من تغريدة بسيطة، كانت بمثابة "كلمة السر" لاطلاق الحملة التي سرعان ما واجهت ردود فعل مضادة.

واذا كان طبيعياً ان ما حصل يشير الى ان وجود كتلة نيابية واخرى وزارية داعمة لرئيس الجمهورية كفيل بتشكيل خط دفاع عنه، فإن السبب الذي دفع جنبلاط الى اثارة هذه المشكلة لا يزال مجهولاً، خصوصاً وانه لم يتم اتخاذ اي قرار من قبل الرئيس في الفترة التي سبقت التغريدة، من شأنه تفسير ما حصل. واذا كان الموضوع متعلّقاً ب​مرسوم التجنيس​، فقد سبق للزعيم الدرزي ان علّق عليه وابدى رأيه فيه، واذا كان الامر مرتبطا بقضية ​النازحين السوريين​، فقد تم ايضاً ايضاح موقف جنبلاط من الموضوع. واللافت ان الهجوم كان مباشراً على الرئيس عون، ولم يمر عبر وزير الخارجية ​جبران باسيل​ كما درجت العادة، ما يعني ان "القطبة المخفيّة" تتعلق بالرئيس شخصياً. وبناء عليه، لا يمكن استبعاد ما قاله وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال ​سليم جريصاتي​ من ان للامر علاقة بالزيارة الاخيرة التي قام بها جنبلاط الى ​السعودية​. والرؤية الاقرب الى المنطق في هذا المجال، تفيد بأن للموضوع ارتباط وثيق ب​تشكيل الحكومة​ العتيدة، وقد يكون جنبلاط قد سمع ما لا يسرّه في هذا السياق، او انه تم تسريب نسب الحصص المخصّصة لكل تيار وحزب في الحكومة العتيدة، ولم يعجبه ما وصل اليه، فعمد الى شنّ معركة استباقية لجس النبض وافهام الجميع انه غير راضٍ عن المسألة، ومنعاً لتدخلات من قوى قريبة او حليفة يعلم انه باستطاعتها اقناعه بالموضوع.

وما يلفت الانتباه ايضاً، هو مدى الارتياح الذي تعكسه تصرفات رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، الذي ورغم عدم تحقيق خروقات علنية في موضوع تشكيل الحكومة، لا يزال على تفاؤله وهدوئه، علماً انه زار السعودية وموسكو دون ان تغيّر مزاجه، ما يعني ان الموضوع يبقى ضمن الاطر المقبولة بالنسبة اليه.

في المقابل، لم يصدر عن جنبلاط اي تعليق اضافي على تغريدته الاولى ليكشف الغموض ويساهم في تبديد الاجواء، الا انه غرّد للرد على منتقديه ومنتقدي المدافعين عنه، ولكن الطريقة توحي بأن الموضوع ليس جدياً فلم يقدم أيّ دليل على سبب التهجّم على العهد، بل على العكس، ضمّن تغريدته الكثير من الروح المرحة التي اشتهر بها عبر اختياره لمفردات مميزة باللغة العربية لم تعد مستعملة، انما للاسف لم تصف حال الوضع الحالي والمشكلة التي افتعلها.

من المرجّح ان تنتهي الامور عند هذا الحد، وان يبقى السبب الذي دفع بجنبلاط الى كتابة تغريدته غامضاً، ولن تزيد او تنقص من المواضيع الراهنة التي يعيشها لبنان والواجب حلّها في اسرع وقت ممكن، من الازمات الاقتصادية الى ازمة النازحين، الى موضوع تشكيل الحكومة، الى ترسيم الحدود وغيرها من الامور... وقد نجد مجدداً ان الزعيم الدرزي اختار الحل الاسهل في المرحلة المقبلة، عبر "ترطيب" الاجواء والعودة الى ما كان عليه الوضع قبل تغريدته، وهذا ما اعتدنا عليه بالفعل، حيث يدعو الى ازالة التشنجات والمحافظة على الاستقرار الامني والسياسي، والابتعاد عن التشنجات التي من شأنها تعقيد الاوضاع في لبنان.

هذا باختصار ما يمكن استنتاجه من الهجوم الجنبلاطي الاخير على الرئيس عون الذي اعتبره والمؤيدين له انه "من افشل العهود" دون ان يذكر السبب او ان يوضح الطرق التي يجب اعتمادها لتحسين الاداء او اكمال السنوات المتبقية من هذا العهد بشكل افضل.