رغم كل الحراك السياسي على خط تأليف الحكومة، لم تظهر أيّ جدية عند المعنيين بالتأليف. السبب ليس داخليا فحسب، بل يتعلق بالمشهد الاقليمي والدولي. لم تكن الرياض تستعجل التأليف، ولم تعط رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ الضوء الأخضر، رغم كل ما يُشاع عن عدم تدخل السعوديين باللعبة الحكومية اللبنانية.

في زيارته "العائلية" السابقة، لم يستطع الحريري لقاء كبار المسؤولين السعوديين، لا علانية ولا بعيدا من الاعلام. يومها، قيل إن الولادة الحكومية اللبنانية ستتأخر. حصل ذلك. لكن هل تُطلق الرياض الآن صفّارة الانطلاقة لعملية التأليف، بعدما زار الحريري الرياض في عيد الفطر؟.

مجموعة مؤشّرات تمّ استحضارها في الاسابيع الماضية: كان "​حزب الله​" وحلفاؤه يستعجلون ولادة الحكومة، بإعتبار أنهم خرجوا من الانتخابات فائزين بالأكثرية التي ستتحكّم بمسارها. فجاء الاستمهال يُحبط استعجال العهد والحزب للحكومة العتيدة. عندها جرى التأكيد ألاّ فوز لفريق على آخر، بعكس ما إدّعاه المسؤول الإيراني ​قاسم سليماني​، نتيجة طبيعة النظام السياسي اللبناني، المحكوم بتوافق مكوناته.

كان يعتقد "​التيار الوطني الحر​" أن تحصيله ٢٩ نائبا-تكتل "لبنان القوي"، يفرض التحكّم مع حلفائه بموازين الحكومة، وإستبعاد أو تحديد حصة "القوات"، ليتبيّن أن خطة رئيس التيار البرتقالي تواجه مطبّات، بسبب عدم قدرة الحريري على تجاوز "القوات". بل، صارت معراب ممراً إجبارياً لتأليف الحكومة. فتحكّم رئيسها ​سمير جعجع​ باللعبة، وطلب المناصفة مع "التيار الوطني الحر" في الحقائب المسيحيّة، ولاحقا سيأتي دور التعيينات، مستنداً الى عاملين: توسّع تمثيله النيابي الذي وصل الى ١٥ نائباً، مع اصوات تفضيلية مرتفعة، تخوّله رفع الصوت، معطوفا على اتفاق معراب. ثانياَ، دعم ​السعودية​ له، حيث بدا أنه الحليف الأول للدول الخليجية، ورأس حربة ضد "حزب الله"، إضافة الى التشجيع الأميركي الذي يلاقيه جرّاء سياسته الداخلية للتي يتّبعها بالتصدي السياسي للحزب وحلفائه. رغم أن واشنطن لا ترى وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​، كما يحاول أن يسوّق خصومه، بأنه أداة بيد "حزب الله". لا يزال الأميركيون يفضّلون التوازن المسيحي القائم بين "القوات" و"التيار الوطني الحر".

سنّياً، كان يظن "حزب الله" أنه يستطيع فرض وزير من حصة "٨ آذار"، لكن الحريري ردّ بالرفض المبدئي. تلك معضلة لا يستطيع الحزب الدفاع عنها كما كان يفعل سابقا، وليس رئيس مجلس النوّاب ​نبيه بري​ في وارد تكرار تجربة توزير ​فيصل كرامي​ كما فعل في حكومة ​نجيب ميقاتي​ الثانية. يومها، كان الحزب وبري وسوريا والقوى الحليفة لهم يستعجلون حكومة غير حريريّة، لأسباب إقليمية بالدرجة الأولى، فإضطر بري للتنازل، وإتصل به الرئيس السوري بشار الأسد مهنئاً بالخطوة الأملية، غير المسبوقة بتاريخ لبنان.

درزياً، إعتقد باسيل أنه يستطيع خرق المعادلة الجنبلاطية بتوزير ​طلال ارسلان​، من دون موافقة الحزب "التقدمي الاشتراكي"، ليتبيّن أن رئيس الحزب ​وليد جنبلاط​ قادر على تعطيل المحاولة أو "لعب الآخرين في الساحة الدرزية"، مدعوماً بدفع سعودي يمنع الحريري من تجاوز ​المختارة​. يعتقد الجنبلاطيون أن باسيل يخوض ضدهم "حرب إلغاء"، بتسمية وزراء دروز. في كل المرّات السابقة، كان جنبلاط هو من يتنازل لإرسلان عن حقيبة وزارية، لكن توزير ارسلان رغماً عن زعيم التقدمي، يعتبره جنبلاط تحدّياً، ترجم الردّ عليه بزيارة للرياض تحرج الحريري وتمنعه من الموافقة على طلب باسيل بخصوص إرسلان، قبل ان تأتي تغريدات "البيك" ضد العهد، تحمل دلالات بأن السعودية لا ترضى عن سياسات عون وباسيل، وتبارك للمختارة خطواتها التصعيدية.

بجميع الأحوال، لم ينجح باسيل، ولا "حزب الله" بتغيير المعادلة القائمة، فأطلّت ملامح تحالف "١٤ آذار" من جديد، من دون أن يسعى قواها للمّ الشمل. فإذا كانت الرياض طلبت من الحريري اعادة التموضع الى جانب جعجع وجنبلاط الغاضبين من "العهد"، فإنّ اللعبة الحكومية ستتبدّل، وسيجد العهد نفسه محاصراً بتصرفات سياسيّة تمنع تأليف الحكومة كما يشتهي رئيس الجمهورية.

تتعرقل الولادة الحكومية، فيدخل البلد في أزمة، ويصبح كلام المسؤول الإيراني عن ٧٤ نائب مجرد سراب. هل تريد الرياض الرد على سليماني في لبنان، بمنع الموافقة الحريرية على متطلبات العهد و"حزب الله"؟ .

إذا سلّم باسيل بمتطلبات "القوات" و"الاشتراكي"، تكون الرياض ضمنت لعبة الموازين الحكومية اللبنانية بالتساوي مع خصومها، ولم تسمح لـ"حزب الله" بالتحكّم الى جانب "العهد" باللعبة اللبنانية وحدهما. وفي حال لم يوافق باسيل، سيتكوّن حلف سياسي يعيد مشهد "14 آذار". وفي الحالتين، سيخضع لبنان للعبة التوافق بين الكل.

انه الاسبوع الفاصل، حيث تتضح المؤشّرات بعد عطلة عيد الفطر. إما ولادة سريعة للحكومة في حل سياسيّ يتّخذ مصلحة البلد أولوية، وإما ستحلُّ الأزمة المفتوحة بإنحلال التأليف، وتجرّ معها تداعيات سلبية سياسية وإقتصادية، لا يستطيع لبنان تحملها في ظل انهيارات اقتصادية فرضت ضرائب على مواطني الدول العربية، كما في الاردن ومصر.