صحيح أنّ التراشق الإعلامي المُتبادل والحاد بين مسؤولين من "التيّار الوطني الحُرّ" وآخرين من الحزب "التقدمي الإشتراكي" قد تراجع، لكنّ أسباب الخلاف الفعليّة بقيت تحت الرماد، وهي تُشكّل نارًا تحته، لا تحتاج لأكثر من تغريدة لتشتعل من جديد، كما حصل في جولة التراشق الأولى. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: إنّ موقف الحزب "التقدّمي الإشتراكي" كان أساسًا ضُدّ إنتخاب العماد عون رئيسًا للجُمهوريّة لكنّه واكب هذا الأمر بواقعيّة في نهاية المطاف بعد "التسوية الرئاسيّة" التي حصلت، علمًا أنّ ثلاثة نوّاب من كتلة "اللقاء الديمقراطي" السابقة لم يُصوّتوا لصالح "الجنرال" خلال جلسة إنتخابه.

ثانيًا: إنّ وزيري الحزب "الإشتراكي" في حُكومة العهد الأولى وقفا بوجه مشاريع وزراء "التيّار الوطني الحُرّ" في أكثر من محطة، وشكّلا نوعًا من المُعارضة من داخل مجلس الوزراء، الأمر الذي جعل العلاقة بين الطرفين مُتوتّرة بشكل شبه دائم على طاولة الحُكومة.

ثالثًا: إنّ مرحلة الإنتخابات النيابيّة زادت التوتّر بين الطرفين، حيث إعتبر "الوطني الحُرّ" أن "الإشتراكي" أراد المُضيّ قُدمًا في سياسة الإستئثار والتفرّد بالسيطرة السياسيّة على كل من "الشوف-عاليه"، وفي منع العمل السياسي الديمقراطي والمنافسة الفعليّة فيه، وفي منح القوى السياسيّة حصصًا محدودة مُحتفظًا لنفسه بموقع القيادة. في المُقابل، إعتبر "الإشتراكي" أنّ "الوطني الحُرّ" رفض مُحاولات تشكيل إئتلاف إنتخابي واسع، وأصرّ على خوض معركة سياسيّة بمنطق التحدّي، رافعًا شعارات إستفزازيّة ومذكرًا بحقبات من الحرب الأهليّة، ما عرّض مُصالحة الجبل للإهتزاز.

رابعًا: تشكيل "التيّار الوطني الحُرّ" كتلة نيابيّة بإسم كتلة "ضمانة الجبل" تضمّ ثلاثة نوّاب من كتلة "لبنان القوي" إضافة إلى رئيس "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" ​طلال أرسلان​، الأمر الذي إعتبره "الإشتراكي" مُحاولة لتعويم لهذا الأخير، ومحاولة لإختراق تمثيل "الشوف-عاليه" بكتلة مُصطنعة يلعب النائب طلال ارسلان فيها دور "حصان طراودة" للدُخول إلى ساحة "المُوحّدين الدُروز" السياسيّة، بينما وصفَ "الوطني الحُرّ" هذه الكتلة بأنّها تجسيد لحريّة العمل السياسي الديمقراطي، وبأنها كتلة عابرة للطوائف تطوي سياسة التفرّد والإستئثار التي سادت في "الجبل" بقُوّة السلاح في زمن الميليشيات.

خامسًا: مُفاوضات تشكيل الحُكومة شكّلت الشرارة التي فجّرت الوضع، ودفعت رئيس الحزب "التقدّمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ إلى وصف العهد الرئاسي بالفاشل من اللحظة الأولى-كما قال، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام جملة واسعة من الردود من جانب نوّاب ومسؤولين من "التيّار"، وكذلك من الردود المُضادة من جانب نواب ومسؤولين من "الإشتراكي"، قبل أن يتدخّل رئيس حُكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ مُصلحًا بين الطرفين. وفي المعلومات أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" مُصرّ على تمثيل النائب أرسلان في الحُكومة المقبلة، بينما يُصرّ "الإشتراكي" على أن تكون حصّة النوّاب الدُروز الثلاثة في أي حكومة ثلاثينية من نصيبه. وعلى الرغم من مُحاولة بعض الجهات تسويق فكرة تمثيل النائب أرسلان أو من يُمثّله من الشخصيّات الدُرزيّة، في مُقابل منح الإشتراكي ثلاثة وزراء، أحدهم مسيحي إلى جانب الوزيرين الدرزيّين، إعتبر الإشتراكي أنّ عمل "التيّار الوطني الحُرّ" على فرض تمثيل أرسلان هو تدخّل في شؤون الطائفة الدُرزيّة الداخليّة، وهو لا يعكس الواقع الشعبي الذي ظهّرته الإنتخابات. ورأى "الإشتراكي" أنّه تُوجد نيّات مبيّتة لتطويق النُفوذ الإشتراكي في "الشوف-عاليه" من خلال ليس فقط الإصرار على تمثيل أرسلان، بل أيضًا من خلال الإصرار على منحه حقيبة وازنة، في مُحاولة لتعويم نُفوذ "الحزب الديمقراطي" وإضعاف خُصومه، وهو يخشى أيضًا ألاّ يتم منح "الإشتراكي" أي حقيبة ثالثة، بسبب الخلافات القائمة على توزيع الحصص الوزارية المسيحيّة بين الأحزاب المسيحيّة نفسها، بحيث لا يعود من المنطقي تمثيل "الإشتراكي" الذي فاز بسبعة مقاعد نيابيّة درزيّة من أصل ثمانية-ولوّ أنّ بعضها جاء نتيجة توافقات سياسيّة واسعة، بوزيرين إثنين، في مُقابل وزير لمن فاز بمقعد نيابي واحد بدعم كبير من "التيّار الوطني الحُرّ" علمًا أنّ هذا المقعد كان قدتُرك فارغًا له من جانب "الإشتراكي"، حرصًا على إرث سياسي عريق ولتوازنات مُرتبطة بالحالة الدُرزيّة الداخليّة.

في الختام، لا شكّ أنّ التراشق الإعلامي غاب عن وسائل الإعلام، لكن وإلى أنتتظهّر النتيجة التي ستخلص إليها الحُكومة المُقبلة، على مُستوى التمثيل الدرزي، فإنّ الأمور ستبقى عرضة للإنفجار في أي وقت بين "الإشتراكي" و"التيّار الوطني الحُرّ".والمُفارقة أنّ رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهّاب، يتموضع في موقع مُعارض لتمثيل أرسلان في الحُكومة المقبلة، كونه يعتبر أنّ نتائج الإنتخابات النيابيّة أثبتت بالأرقام أنّه هو الشخصيّة التي تستحوذ على الموقع الثاني في التمثيل الدُرزي، بغضّ النظر عمّن فاز أو خسر، نتيجة تحالفات معيّنة و"لعبة الحاصل الإنتخابي"، وليس بفعل حجم التمثيل الشعبي الفعلي الذي يملكه. فهل ينجح "التيّار الوطني الحُرّ" في تعويم موقع النائب أرسلان، أم أنّ الضجّة التي تعمّد الحزب "الإشتراكي" إثارتها ستفعل فعلها في عرقلة هذه الجُهود؟.