رغم كلّ ما قيل ويُقال حول تشكيل ​الحكومة​ اللبنانية ​الجديدة​، وفقاً لأحكام ​الدستور​ الذي يفرض هذا التشكيل الحكمي مباشرة بعد بدء ولاية ​المجلس النيابي​ الذي تنتجه ​الانتخابات​ النيابية، رغم كلّ ما يُقال من هنا وهناك من عراقيل وعقد، فإن الواقع يظهر بأنّ ما يعترض التشكيل هي عوائق من فئتين داخلية وخارجية تقاطعت وفرضت التباطؤ إنْ لم نقل التسويف أو المماطلة في التشكيل بانتظار متغيّر ما يراهن عليه المعرقلون. وقبل عرض هذه العراقيل أو العقد لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هناك اتجاهين رئيسيين يتنازعان عملية التشكيل، هما: فريق الإسراع في التشكيل من أجل كسب الوقت واستثمار نتائج ​الانتخابات النيابية​ والمدّة المتبقية للعماد عون في الرئاسة. ويتشكل هذا الفريق أساساً من ​حزب الله​ و​التيار الوطني الحر​، وفريق يرى أنّ الإسراع والتشكيل وفقاً لأحكام الدستور وعلى ضوء نتائج الانتخابات ورغبات فريق الأكثرية ليس في مصلحته، خاصة إذا فرض عليه الأخذ حرفياً بنتائج هذه الانتخابات التي أفقدته الكثير مما كان يتمتع به من قبل في تشكيلة الحكومة الأخيرة التي اعتمدت على موازين قوى فرضتها انتخابات 2009 ويأتي في طليعة هذا الفريق ​تيار المستقبل​ الذي تراجعت قوّته التمثيلة بمقدار 40 وخسر حصرية التمثيل السني، حيث ظهر 10 من أصل 27 نائباً سنياً خارج عباءته. أما القوى الأخرى فإنها تظهر تسهيلاً أو عرقلة جزئية للتشكيل بمقدار ما تكون الصيغة المطروحة متناسبة مع طلباتها وما تدّعيه من حقوق مكتسبة لها، أو من قدرة على الاحتفاظ بمواقع تدّعي أنها لها من غير نقاش. وعليه، فإنّ التجاذب بين الفريقين قائم وبشدّة، والأمر مفتوح على أكثر من احتمال، خاصة أنّ رئيس الحكومة الذي يقوم ب​تصريف الأعمال​ لا يعتبر نفسه متضرّراً من التأجيل، لا بل إنه المستفيد الرئيسي منه حيث إنه يمدّد لنفسه ومن خلال تصريف الأعمال وبشكل واقعي فتره نفوذه في السلطة المستندة الى قوة خسرها في الانتخابات، ولذلك يرى بأنّ بإمكانه أن يستمرّ في عملية التسويف لفترة غير محدّدة السقف دستورياً، ويتخذ من هذا التسويف أداة ضغط حتى يستجاب لطلباته ويكون رضوخاً لإملاءات خارجية يرى نفسه ملزماً أو مضطراً للانصياع لها. وبالعودة إلى العراقيل والعقبات ونبدأها بالخارجية، فإننا نشهد اليوم ضغطاً أميركياً سعودياً لمنع الأخذ بنتائج الانتخابات التي أعطت فريق ​المقاومة​ والقوى المؤيدة لها نسبة تتعدّى الأكثرية المطلقة من أعضاء ​مجلس النواب​ ما يفرض عملياً أن تكون الأكثرية المطلقة في الحكومة لهذه القوى. وإذا أضيفت إليها حصة رئيس الجمهورية كما بات متعارفاً عليه منذ ​الطائف​ وهي نسبة 10 من الحكومة، فإنّ الحكومة الجديدة ستكون في ثلثيها مؤيدة للمقاومة. وهذا ما لا تقبل به ​أميركا​ والسعودية، التي تحاول إحياء فريق ​14 آذار​ المتهالك والمندثر، وفرض حكومة تستنسخ حصص الحكومة القائمة، أيّ باختصار كلي رفض الاعتراف بالانتخابات وبنتائجها وإجراء طلاق بين موازين القوى في مجلس النواب وتوزيع الحصص التمثيلية في الحكومة. أما العقبة الثانية، فإنّها تتصل بالنزعة الاستئثارية لرئيس الحكومة المكلف الذي يريد أن يمنح 17 نائباً سنياً حصة 27 نائباً في الحكومة ويحرم 10 نواب سنة من التمثيل، أيّ أنه يريد الإبقاء على ما كان قائماً منذ 2005، حيث عمل بحصرية التمثيل السني في تيار المستقبل. وهذا الأمر مرفوض من قبل حلفاء النواب العشرة وهم في عداد الأكثرية النيابية ولا يمكن الأخذ في حال تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل الجميع ويمكن فقط العمل به إذا أخذ بمنطق حكومة الأكثرية. وفي هذه الحالة أيّ حكومة الأكثرية، إذا اعتمدت فإنّ رئيسها لن يكون ​سعد الحريري​. أما العقبة الثالثة، فإنّها تتعلق ب​ملف النازحين السوريين​، حيث إنّ البعض يرى أنّ التمهّل والتسويف في مسألة إعادتهم استجابة للإجراءات الخارجية يفرض لعب ورقة ​تشكيل الحكومة​ والتسويف والمماطلة فيها حتى يتراجع الفريق الضاغط ويقبل بالتسويف أو يخسر فرصة تشكيل الحكومة بالسرعة التي يريد والتي تؤمّن له استثمار فوزه الانتخابي. أما الملف الأخطر فهو ملف الفساد ومقاومته، فقد التزم حزب الله والتيار الوطني الحر التزاماً علنياً أمام جمهوريهما وبشكل لا لبس فيه في البرنامج الانتخابي لكلّ منهما ـ ب​محاربة الفساد​ مباشرة بعد تشكيل الحكومة. ومن المعروف

أنّ هناك قوى معروفة وجهات مستفيدة من الاهتراء واستشراء الفساد في الدولة تخشى أن ينتقل الوعد حقيقة وتقلص مزارعها في الدولة وتقفل مزاريب الهدر التي تستفيد منها، ولذلك قد تكون المماطلة في تشكيل الحكومة للضغط على هؤلاء لطيّ ملف مقاومة الفساد أو القبول بمعالجة شكلية تبقي الفاسدين ومرجعياتهم حيث هم في مواقع مصّ دماء الدولة والمواطن. هذه هي كما نرى العوائق الرئيسية التي تحول دون تشكيل الحكومة. وهي موانع ستستمرّ حتى يرضخ فريق لإرادة فريق، أو أن يُقدم الفريق الممتلك الأكثرية المطلقة في مجلس النواب على قلب الطاولة وتطبيق الدستور عبر تشكيل حكومة أكثرية، في عملية تبدأ بسحب التكليف ويكون ذلك بتوقيع عريضة من 65 نائباً ممن سبق واختاروا سعد الحريري لتشكيل الحكومة، عريضة تطالب بإجراء مشاورات جديدة تفضي الى تكليف شخص غير الحريري بالتشكيل، ويعمد الشخص الجديد المكلف الى تشكيل حكومة أكثرية تستند إلى 65 نائباً على الأقلّ وبهذا تجهض محاولة الخارج لإجهاض نتائج الانتخابات، ويؤكد على تشكيل حكومة متجانسة من فريق الأكثرية، وتتّجه هذه الحكومة إلى التنسيق مع سورية دون خشية من أحد لإعادة النازحين، عمل تقوم به بالتوازي مع الشروع بمحاربة الفساد سلوكاً وأشخاصاً ونظماً. فهل يبادر سعد الحريري الى احترام نتائج الانتخابات ويشكل حكومة وطنية تتجاوز تلك العراقيل؟ أم تبادر الأكثرية الى تفعيل وجودها واستثمار نجاحها في الانتخابات؟ أم تبقى الدولة في مراوحة تقود إلى التآكل والانهيار؟ لننتظر ونرَ أيّاً من الفريقين سيبادر…