شكلت الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء الاسرئيلي ​بنيامين نتانياهو​ الى ​الاردن​ ولقائه العاهل الاردني عبد الله الثاني، محور تكهنات وآراء حول حقيقة ما تم تداوله خلال الاجتماع بين الرجلين، وليس فقط ما صدر في الاعلام. ووفق ما يتم تداوه في الاروقة السياسية والدبلوماسية، فإن ما صدر بشكل رسمي عن اللقاء، يؤشّر الى ناحية واحدة لما تم تداوله، وفيه ان المسأَلة الفلسطينية كانت هي الاساس ولو انه تم التطرق الى الموضوع السوري، انما الشقّ الاكبر كان من ناحية الفلسطينيين الذين تربطهم بالاردن روابط جغرافية ومعنوية. وليس سراً ان عمّان لطالما عبّرت عن قلقها طوال سنوات من انعكاس الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني عليها بشكل مباشر، خصوصاً وان مخططات ومشاريع كان تم وضعها لحظت اعطاء قسم من الاراضي الاردنية لتوطين الفلسطينيين وربما تحويلها الى دولة فلسطينية.

من الطبيعي الا يكون الملك الاردني قد وافق على هذا الامر، ولكن زيارة نتانياهو اتت اولاً للتشديد على ان الاردن لن يكون عقبة امام مشروع التسوية الذي ستطرحه ​الولايات المتحدة​، وقد قطع الشك باليقين بعد ان استقبل العاهل الاردني بشكل فوري مبعوثي الرئيس الأميركي: ​جاريد كوشنر​ و​جيسون غرينبلات​، وهذا الامر ان دل على شيء، فعلى ان الاردن قد اصبح من المؤيدين للخطة الاميركية، وهو انضم بالتالي الى السعودية ومصر وقطر في الموافقة على الخطة. وقد كان لا بد من اعطاء مؤشر للاردن لما يمكن ان يحصل في حال عدم انضمامه، اذ يسود الكلام عن ان ما شهدته عمّان في الاونة الاخيرة من اضطرابات تحت ستار رفع الضرائب، وشلّ البلاد والتهديد بتفاقم الامور بما لا تحمد عقباه، ما الزم السلطات الاردنية بالتراجع عن اجراءاتها الضريبية، وضمان تلقيها مساعدات مالية من دول الخليج تفوق الملياري دولار. وليس سراً ان هذه المساعدات لم تكن لتظهر لولا الدفع الاميركي نحو هذه الخطوة، وهذا ما فهمه الملك عبد الله الثاني جيداً، فقرر السير بالموضوع تفادياً لاي مشاكل مستقبلية قد يتعرض لها.

ولكن، يبقى معرفة تفاصيل الخطة الاميركية للسلام، والتي تحظى طبعاً بموافقة اسرائيل، فيما يتردد انه تم الطلب من الاردن ان يكون صلة الوصل مع الفلسطينيين لاقناعهم بها والعمل على تنفيذها، مع ضمانات بعدم تحويل الاراضي الاردنيّة لدولة فلسطينية بديلة، انما ابقاء مساحة معيّنة من الاراضي المحتلّة لاقامة الدولة الفلسطينية بشكل لا يؤدي الى قيام تهديد امني لاسرائيل من جهة، ويبقي المرافق الاساسية تحت سيطرتها، فتسقط كل الذرائع امام العرب لمقاطعتها، ما يفتح المجال امامهم لتطبيع العلاقات معها والانتقال الى مرحلة جديدة تتوق اليها اسرائيل منذ عقود طويلة من الزمن.

هذا الامر، ان حصل، من شأنه ان يضع الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ امام صورة جديدة له، تعوّض بشكل تام عن تلك التي ظهر فيها (ولا يزال) امام مواطنيه من جهة، والعالم من جهة ثانية، وبالاخص بعد القرارات المتسرّعة التي اتخذها وكان آخرها الانسحاب من مجلس حقوق الانسان، وخلافاته المتواصلة مع الاوروبيين حول العديد من الامور السياسية والاقتصادية والمالية.

وسيدخل ترامب التاريخ في حال صدقت توقعاته وآماله، لذلك، يعمل على تجييش عدد من الدول العربية والغربية في سبيل الترويج لما يسمّيه خطّة السلام والتي قد لا تصبّ في مصلحة الفلسطينيين والعرب، ولكن مع ذلك قد تتحول الى أمر واقع بفعل موافقة عدد من الدول العربية عليه، فتنجح عندها سياسة ترامب وفق مبدأ "فرّق تسد" والتي اثبتت جدواها داخل الولايات المتحدة، ولو انها لم تنجح بعد اوروبياً، الا ان من المتوقع نجاحها عربياً نظرا ًالى الخلافات العربية السائدة.