بعد التكليف النيابي والسياسي السريع ل​سعد الحريري​ بتأليف الحكومة، كانت الأجواء حينها توحي بولادة طبيعية، تستند الى نتائج الانتخابات النيابية. لكن، بعد الاستشارات السريعة أيضا التي أجراها رئيس الحكومة المكلّف، ظهرت تعقيدات بإتجاهين: السقوف العالية التي رفعتها الكتل النيابية بخصوص الحصص، والصمت السعودي الذي جرى تفسيره بعدم الرغبة في تثبيت موازين القوى بناء على النتائج النيابية التي أعطت "​حزب الله​" وحلفاءه حجماً أكبر في البرلمان.

تفرملت الإندفاعة يومها، وإزدادت التكهنات والتحليلات بشأن تجميد عملية التأليف. برزت عقدة اساسية هي حصة "القوات" بعد تمسك رئيس الحزب ​سمير جعجع​ بمطلب يعادل حصة "​التيار الوطني الحر​". إنطلاقا من هذه النقطة، قيل إن جعجع يستند الى دعم سعودي، يمنع الحريري من تأليف حكومة من دون إشراك "القوات". ثم جاءت العقدة الدرزية إضافية، بعد تمسك "التيار الوطني الحر" بإعطاء رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب طلال ارسلان حقيبة، رفض رئيس "​التقدمي الاشتراكي​" وليد جنبلاط أن تكون على حساب تمثيل الدروز. لتأتي زيارة جنبلاط الى ​السعودية​ ولقائه الملك سلمان بن عبدالعزيز، ثم تغريدته التي صبّت الزيت على النار الحكومية. كادت جميعها أن تحرق طبخة التأليف الموضوعة على نار حريرية-باسيلية هادئة. ما بين إصرار "القوات" وعناد "التقدمي"، وربطاً بعلاقة الإثنين بالرياض، زاد الحديث عن تعطيل سعودي للحكومة.

الاخطر هي الأزمة الاقتصادية التي يتم ربط الحل فيها بوجود حكومة جديدة: لا ترجمة لنتائج مؤتمر "سيدر"، ولا تنفيذ للتعهدات الدولية بدعم لبنان مالياً، ولا حلول لقضية النازحين من دون رؤى حكومية جديدة.

يومياً، ترتفع أصوات التجّار، والمزارعين، والإقتصاديين، قلقاً من تدهور اوضاعهم. كل الحلول فيها يتم ربطها بوجود حكومة جديدة.

لم يعد الحريري يتحمل تلك الضغوطات، ولا الانتظار، فقرر بعد عودته من عطلة عيد الفطر من المملكة، رمي كرة المسؤولية في ملعب آخر. فجأة أجرى إتصالاته مع رئيسي الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والمجلس النيابي ​نبيه بري​، وابلغ الشخصيات التي تمثل القوى السياسية التي التقاها تباعاً أنه قرر تأليف الحكومة خلال ايام قليلة، لا تتعدى اول الاسبوع المقبل. هذا ما أبلغه لزوّاره نهار الخميس، وكانت "النشرة" أول من كشف عنه، نقلا عن مصادر الحريري.

كرّت سبحة التفاؤل بولادة حكومية سريعة. لكن المطبّات التي ازالها الحريري من عملية التأليف، وهي ترتكز على حل العقدتين القوّاتية والدرزية، بقيت عالقة، لأن "التيار الوطني الحر" لم يوافق بعد على اعطاء "القوات" ما يطلبه سمير جعجع، ولا التسليم بشرط وليد جنبلاط إزاء المقاعد الدرزية الثلاثة. يريد "التيار البرتقالي" ترجمة تعهداته لإرسلان بتوزيره، بعدما أنشأ له كتلة "ضمانة الجبل". ولا يريد التيار نفسه الموافقة بالمطلق-كما فعل الحريري- على مطالب جعجع.

هنا بدأ الحريري بتقديمه مسوّدة التشكيلة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وكأنه يرفع المسؤولية عنه، ويرمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية. أراد الحريري ان يظهر نفسه، وكأنه نفّذ مهمته، وتحمّل المسؤولية الوطنية، وأظهر للقوات والتقدمي أنه يحمل لواءهما، فلا يُغضب الرياض التي حضنت الفريقين المذكورين. كما يُظهر الحريري نفسه أمام اللبنانيين، بأنه يسعى لحل المشكلة المالية-الاقتصادية. ويبيّن للعواصم الدولية التي تترقب ولادة الحكومة أنه يمتلك القدرة على تقديم الحلول. والأهم، انه اظهر للرأي العام ان السعودية لا تعطّل التأليف الحكومي، بل بالعكس تماما، فهو وصل من الرياض الى بيروت يحمل اندفاعة غير مسبوقة لتأليف سريع للحكومة.

فهل يتابع الحريري اندفاعته؟ بالطبع، تلك مهمته الاساسية كرئيس مكلّف بالتأليف الحكومي. لكن الخطوة التي فعلها نقلت الحديث من مسؤولية حريرية-سعودية بتعطيل التأليف، الى ترقب خطوة رئيس الجمهورية ببتّ أمر التأليف.

ما هي التعديلات المرتقبة؟.

قد تكون سهلة، أمام المسؤولية التي يجب ان يتحملها الجميع في لبنان، لا رئيس الجمهورية، ولا "التيار الوطني الحر" وحدهما. التنازل يفترض ان يكون متبادلاً، لأن الخطر الذي يواجهه لبنان كبير، ويتطلب مؤازرة كل القوى للحل السياسي والاقتصادي الذي يبدأ بولادة حكومة جديدة تقع على عاتقها مسؤوليات جمّة.