لم تكن الزيارة التي قامت بها المستشارة الالمانية ​انجيلا ميركل​ الى ​لبنان​، ناجحة من حيث المضمون، ولو انها كانت موفقة من حيث الشكل. فالطابع السياسي-الاقتصادي للزيارة لم يخفِ الصعوبات في مقاربة الملف الاكثر اهمية بالنسبة اليها، وهو ​ملف النازحين السوريين​ واللاجئين، الذي شكل لها صعوبة كبيرة في بلادها بفعل موقف وزير الداخلية، فوجدت نفسها امام مشكلة اكبر في لبنان معلقة بهذا الشق.

ففي السراي الكبير، بدا وكأن رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ يسير في حقل الغام، واطلق موقفاً على قاعدة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم"، فاعترف ان النازحين يجب ان يعودوا الى بلادهم وانهم يشكّلون مشكلة للبنانيين، ولكنه في المقابل لم يشدّد على عودتهم بمعزل عن الحل السياسي وسرعة التوصل اليه وتنفيذه، كما انه المح الى ان ظروف لبنان الاقتصادية لا تسمح له باستقبال هذه الاعداد منهم، الا ان تحسين هذه الاوضاع قد يعني بطريقة ما حلحلة الاوضاع على صعيد هذا الملف.

اما في بعبدا، فلم تسمع ميركل مثل هذا الموقف، بل ما يردّده رئيس الجمهورية منذ فترة لجهة عودة السوريين، وعدم انتظار التوصّل الى حل سياسيّ قد يتم التأخّر في الوصول اليه من جهة، ويتأجّل تنفيذه لظروف عديدة. بين هذين الموقفين، قررت ميركل التفاعل مع الموقف الاول الذي يريحها طبعاً، وهو انه اذا تم مساعدة لبنان اقتصادياً، فقد يعني ذلك عدم شكواه مجدداً من عبء النازحين ولا من اعدادهم الكبيرة، وقد تصل الامور الى الخواتيم التي تريح الجميع خارج لبنان، وتعقّد الامور فيه، أي الابقاء على قسم كبير منهم على الارض اللبنانية مقابل حوافز مالية واقتصادية. هذا الطرح كان قد اعلن عنه الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ منذ فترة غير قصيرة، ولكن العائق الاساسي امام هذا الحل، هو انّه اذا تحسنت الظروف الاقتصادية والمالية، فهذا لا يعني انتهاء المشاكل التي تترتب على تواجد الاعداد الكبيرة من النازحين في لبنان، إنْ على الصعيد الامني، ام على الصعيد الاجتماعي والحياة اليومية. من هنا، كان اصرار المانيا على الاعلان عن خطوات كبيرة وعديدة من اجل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع لبنان، كما اعلنت ميركل عن مساعدة مالية بقيمة 500 مليون دولار لهذا البلد، وهذا كله يأتي في سياق التطمينات الاوروبية والدولية بوجوب ضبط النفس اللبناني، وعدم اتخاذ خطوات من شأنها ان تخيف النازحين فيعمدون الى التوجه باعداد غفيرة من لبنان الى ​أوروبا​، مع كل ما يحمله هذا الامر معه من مشاكل على اكثر من صعيد.

وطمأنت ميركل علناً بأن الاوروبيين كما الغرب، لا يرغبون في توطين النازحين، ولكنهم ايضاً غير مستعدين لنقلهم من لبنان، مخافة ان تحلو في نظرهم ركوب موجة النزوح الى اوروبا. المستشارة الالمانية اعطت جرعة من المهدّئات للمسؤولين اللبنانيين، ولكنها في المقابل، بقيت على حذرها في ما خص التصرفات التي سيعتمدها لبنان من اجل حل ملف النازحين عن ارضه، ومنها اخراجهم بشكل تدريجي الى المناطق الحدودية السورية الآمنة.

وتنطلق ميركل من قاعدة اساسية وهي ان عودة اي مجموعة من السوريين الى ​سوريا​، ولو كانت قليلة العدد، سيسلّط الاضواء على الاسباب التي تحول دون عودتهم جميعاً. ولعل العاطفة التي سيستثيرها الامر، مع احتمال لمّ الشمل على الاراضي السورية لن يكون في مصلحة المستفيدين من الموضوع ان في الشق السياسي، او الامني، او التجاري والمالي.

من هنا، كان المخرج بالنسبة الى ميركل، التوجه الى مسار آمن يقضي بالتشديد على اهمية الحل السياسي، بما يعني ان ابقاء الامور على حالها في انتظار تبلور الحل في سوريا، سيكون هو الملاذ الذي يرضي الاوروبيين والغرب، لكنه سيكون غالياً على اللبنانيين.