المؤامرة الكونية المستمرة على سورية ​العروبة​ لأكثر من سبعة أعوام متواصلة، التي استعملت فيها إضافة للأساليب ​الإرهاب​ية والمجموعات والمرتزقة التي تم تجميعها أكثر من 80 دولة، شكلت الأداة الرئيسية لمخطط النيل من ركائز ​الدولة السورية​ باستعمال كل السبل والطرق والأدوات الشنيعة بهدف تفكيك المجتمع السوري وتفتيت تماسكه والعمل على تشريده وجعله مشتتاً نازحاً أو لاجئاً في أصقاع الدنيا.

وللدلالة على مدى شراسة المؤامرة التي كانت ولم تزل تستهدف المجتمع السوري، نذكر أن مخيمات بيضاء تم نصبها على الأراضي التركية وتحديداً في منطقة الحدود المشتركة مع سورية وذلك في أواخر العام 2010 أي قبل نشوب ​الأزمة السورية​ في بداية العام 2011، وفي تحقيق قام به الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو المتخصص في شؤون ​الشرق الأوسط​ سأل مالبرونو الضابط التركي المسؤول في تلك المنطقة عن سبب نصب الخيم ​البيضاء​ وتحديداً في تلك المنطقة المتاخمة للحدود السورية فكان جواب الضابط التركي المسؤول عن المخيم أن تلك الخيم مخصصه لاستقبال ​اللاجئين السوريين​، وهذا ما بدا واضحاً من خلال دور الرئيس التركي رجب أردوغان المتآمر على سورية العروبة بفتحه المطارات والموانئ والحدود لكل أنواع المرتزقة التي أسهمت في ممارسة الإرهاب في سورية وضرب وحدة المجتمع السوري وتشريده.

إن أبشع ما تخلفه الحروب هو استهداف وضرب المجتمعات وجعلها مجتمعات غير متماسكة وجعلها بدل المجتمع مجتمعات وتحويلها إلى مكونات وإثنيات عرقية ومذهبية وطائفية متناحرة ومتحاربة وذلك لجعلها قابلة للتخلي عن الأرض والثقافة والحضارة واللغة والهوية الوطنية واللجوء إلى الاحتماء بالطائفة أو المذهب على حساب الانتماء الوطني.

صحيح أن الانتصارات العسكرية مهمة للغاية لكنها وعلى أهميتها تبقى انتصارات ظرفية لاستعادة بقعة جغرافية من الوطن أو تحرير منطقة من الإرهاب أو الاحتلال واستعادتها إلى حضن الوطن، إنما يبقى الجانب الأكثر أهمية من الانتصار العسكري والأكثر صعوبة هو في وضع إستراتيجية لاستعادة وحدة المجتمع والألفة بين أبناء الوطن الواحد والهوية والثقافة والحضارة خاصة بعد حرب ضروس ومؤامرة بشعة استمرت لسنوات عدة كما حدث ويحدث في سورية العروبة.

إن الكثير من المراقبين يعتبر أن ما حققته ​المقاومة​ في ​لبنان​ عام 2006 هو انتصار عسكري على العدو ال​إسرائيل​ي وهذا الأمر صحيح في جانب معين بعد نجاح المقاومة في ضرب الهالة العسكرية للعدو الصهيوني وخلق ما سمي توازن الردع، لكن على عكس ما اعتبره الكثير من المراقبين فإن الانتصار الحقيقي للمقاومة اللبنانية في العام 2006 هو ذاك القرار الجريء الذي اتخذته قيادة المقاومة بضرورة عودة كل النازحين من أهل ​الجنوب​ اللبناني إلى ديارهم في الجنوب والتمسك بأرضهم والإقامة على أنقاض منازلهم وذلك في صبيحة 14 من شهر آب 2006 فور الإعلان عن وقف ل​إطلاق النار​.

إن هذا القرار الإستراتيجي الجريء شكل ضربة مميتة للمشروع الصهيوني ومنعه من تحقيق مبتغاه في تهجير المجتمع الجنوبي لشعب لبنان وجعله مجتمعاً نازحاً مشرداً عن أرضه، لكن قرار العودة شكل انتصاراً مكملاً للمقاومة في غاية الأهمية إضافة لانتصارها العسكري على العدو الإسرائيلي ومخططه.

إن المؤامرة الكونية على سورية ما برحت تستهدف المجتمع السوري لإبقائه مشتتاً مشرداً بعيداً عن وطنه وبكل السبل غير القانونية.

إن الرسائل التي صدرت في الآونة الأخيرة عن منظمة ​الأمم المتحدة​ المتضمنة تحذيراً مباشراً للنازحين السوريين في كل من لبنان و​الأردن​ و​تركيا​ تردعهم فيها عن اتخاذ قرار العودة إلى أرض الوطن السوري والتمسك بالهوية والحضارة، لهو أمر غير قانوني وغير أخلاقي ويشي باستمرار المؤامرة باستهداف الوطن السوري وإطالة الحرب فيه والعمل على إفراغه من مجتمعه ومنع استعادة تماسكه ووحدته، وهذا الأمر يستوجب منا وضع إستراتيجية مستعجلة لمنع استهداف المجتمع السوري وتحقيق الوجه الأهم من المؤامرة على سورية.

في الآونة الأخيرة شكل ​ملف النازحين السوريين​ في لبنان نقطة خلاف وتجاذب بين مختلف الجهات السياسية في لبنان، فالبعض أثار موضوع النازحين السوريين من باب ضرورة التنسيق مع الجهات الرسمية السورية بهدف تسهيل عودة النازحين السوريين إلى سورية وكأن الملف متوقف على قبول الدولة السورية بعودة أبناء الوطن السوري من عدمه، أما البعض الآخر فاتخذ موقفاً ممانعاً لعودة النازحين السوريين منصباً نفسه محامياً عن إرادة ​الشعب السوري​ ومعللاً رفضه للعودة بالأوضاع الأمنية في سورية مصوراً أن النازحين هربوا من جحيم ظلم الدولة السورية، واللافت أن الفريق الممانع وهو نفسه الفريق الذي شارك ولم يزل يشارك وبشكل فعال بالتآمر على سورية العروبة منفذاً أجندات أميركية غربية وخليجية مستمرة في ضرب وحدة المجتمع السوري ومنعه من إعادة وحدته.

في تركيا تجري عملية تجنيس واسعة للنازحين السوريين لسلخهم عن وطنهم سورية واستخدامهم في أهداف انتخابية وتجنيدهم لأغراض أمنية في الداخل التركي تخدم أردوغان وحزبه.

وفي الأردن تمارس ضغوط أميركية إسرائيلية غربية خليجية هائلة على الحكم في الأردن لمنع عودة النازحين السوريين إلى وطنهم.

إذا كان العدو الإسرائيلي ومعه الأميركي والغربي والخليجي المنفذون للمخطط الإسرائيلي قد نجحوا في ​ليبيا​ و​اليمن​ و​العراق​ في ضرب لحمة المجتمع العربي فإنه يجب علينا العمل الجدي لإيجاد السبل الآيلة للتصدي لمخطط العدو وأعوانه على سورية كمجتمع شكل حجر الزاوية للهوية والانتماء العربي.

إن ملف النازحين السوريين لم يعد ملفاً إنسانياً بل إنه أضحى ملفاً يتم استعماله وسيلة بشعة وبعيدة عن المعايير الإنسانية للضغط على الدولة السورية وابتزازها بدفع المليارات للدول المستضيفة تعويضاً للاستمرار بالمؤامرة وتخويف السوريين النازحين من العودة إلى أرض الوطن السوري ومنع إعادة اللحمة للمجتمع السوري.

ديفيد بونغوريون البولندي المولد والمؤسس لدولة الكيان الصهيوني قال إن إسرائيل لا يمكنها الانتصار على العرب حتى لو امتلكت القنبلة الذرية وإن انتصار إسرائيل على العرب يكمن فقط إذا نجحنا في تفتيت المجتمع العربي.

نقول إن الدعوة للتنسيق مع الجهات السورية الرسمية لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم سورية كمن يرمي باللائمة على سورية الدولة وحدها بمنع عودة النازحين، بيد أن الانكباب على وضع إستراتيجية مشتركة تكفل تعطيل استكمال استهداف المجتمع السوري بتأمين العودة الآمنة للنازحين للوطن السوري الأمر هو الذي يتيح لنا فرصة توجيه ضربة قاسمة لمخطط العدو الصهيوني ديفيد بونغوريون ويمنحنا العنصر الأهم المكمل لانتصار سورية.

مشاركة