ردّاً على سؤال حول "أخطر مشكلة" تواجهه، قال الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ في العام ٢٠٠٧: "بعد وفاة مهاتما غاندي، لا يوجد في العالم من يمكن التحدّث اليه".

فكيف سيتمكّن رئيس ​روسيا​ الإتحادية من التحدّث مجدّداً مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية ​دونالد ترامب​ في اللقاء التاريخي المتوقّع انعقاده في شهر تموز المقبل؛ وترامب لا يزال يواجه انتقادات واتّهامات شتّى حول عدم عقلانيته؟.

اليوم، يزور مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض ​جون بولتون​ العاصمة الروسية موسكو للإجتماع بوزير الخارجية الروسي ​سيرغي لافروف​، حاملاً ملف التباحث حول عقد قمة أميركية-روسية تجمع رئيسَي البلدين في إحدى الدول المضيفة من المرجّح أن تكون النمسا.

في آذار الماضي أعلن ترامب أن لقاءه ببوتين سيتمحور حول سباق التسلّح وقضايا سوريا وأوكرانيا وكوريا الشمالية.

أبرز ما قد تظهره القمّة المرتقبة المذكورة مشهدان:

أوّلاً: بوتين رجل براغماتي. سبق ونصَح نظيره الأميركي أثناء اللقاء الذي جمعهما في تشرين الثاني ٢٠١٧ في "أبيك" فييتنام؛ بمعالجة قضية السلاح النووي لكوريا الشمالية ببراغماتية مطلقة. وهذا ما حصل.

تبدّلت لهجة ترامب العدائية العشوائية تجاه الزعيم الكوري كيم جونغ اونغ وانعقدت القمة الكورية-الأميركية التاريخية.

من المؤكّد وفق تحليل للأحداث الجارية بأنّ ترامب سيتحدّث في الخلوة المغلقة عن وجوب إيجاد حلّ للسلاح النووي الكوري وسيصرّح للوسائل الإعلامية أنه نقل لنظيره الروسي جوّ اللقاء الإيجابي مع الزعيم الكوري.

في الحالتين، بوتين سيعيد التأكيد على وجوب اتّباع البراغماتية.

ثانياً: الموقف الأميركي حيال سوريا انقلب رأساً على عقب. صدر بيان مشترك أميركي-روسي تناول الوضع في سوريا، وذلك في قمة فييتنام، لم يحوِ أيّ عدائية تجاه الرئيس السوري ​بشار الأسد​ من الجانب الأميركي، الذي أكّد ضرورة إجراء انتخابات رئاسية والتزام الحوارات في جنيف. كان بوتين قد نصحه بالتركيز على حوارات جنيف. ربما بالمفهوم السياسي "مشهد الحوار" هو المخرج الوحيد للانتقال من حالة الهزيمة الى حالة "لا غالب و لا مغلوب". ترامب أكد على أهمية اجتماعات جنيف.

ويبدو أن الأمور باقية على حالها في اللقاء الثنائي المرتقب؛ بالالتزام بالوثيقة المشتركة الأميركية-الروسية مع تبدّل في خطط وقف إطلاق النار.

أمّا مسألة سباق التسلّح وقضية أوكرانيا فمن المؤكد أن ترامب سيلتزم عند التطرق إليهما عدم التدخل في الشؤون الروسية.

أهو بوتين يتفوّق على المستوى الذهني لترامب ويؤثر على خياراته السياسية؟.

أم أن ترامب مدرك وواع تماما للهزائم السياسية والاقتصادية التي مُنِيت بها بلاده نتيجة إخفاق سياساتها الدولية لا سيما في الشرق الأوسط فيسعى لإنعاشها؟.

يبدو أنّ الإحتمالين واردان.

الصورة أيضاً تتكلّم؛ ترامب متّهم بالتنسيق مع روسيا والسماح لها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية. هو ينفي، بوتين ينفي. ويلتقيان.

أمّا ما هو مؤكَّد ومثبت للتاريخ، أن بوتين بوقوفه الى جانب سوريا عسكريا وسياسيا مواجهاً أكثر من حلفٍ دولي، ومقاتلاً أكثر من جبهة إرهابية؛ ساهم مع الدولة السورية ومحور المقاومة بتبدّل موازين القوى الدولية.

الميادين القتالية فرَضت نفسها. ثبت يوما بعد يوم استحالة تقسيم سوريا. القوّة فرَضت الحل السياسي وليس العكس. لا اجتماعات جنيف ولا آستانا ولا المعارضات حققت وقف إطلاقات النار؛ ولا الدبلوماسية السياسيّة دفعت بالرئيس الأميركي للاجتماع بالرئيس الروسي للتباحث بشأن سوريا وغيرها.

القوّة تصنع السياسة الدولية. قوّة الموقف أوّلاً وقوّة السلاح ثانياً.

فرَضت روسيا قوّتها دولياً وإقليمياً في عهد بوتين. هي أيضاً تحتاج للتفاهم مع القوّة الأميركية لدواعٍ اقتصادية وسياسية. ولكن، الحقيقة بوتين فرض شروط التفاهمات من موقع القوّة وألغى منطق "القوّة العظمى".

فلا ننسى أنه في العام ٢٠١٣، تكلّم الرئيس الأميركي الأسبق ​باراك اوباما​ عمّا أسماه "تفرّد الأمّة الأميركية، فجاء الردّ من الرئيس الروسي بوتين "علينا ألا ننسى أنّ رَبَّنَا خلقنا سواسية".

لا شكّ أنّ ترامب سيسمع بهذا القول قريباً.

هل يقتنع؟. كيف يقتنع؟ وهو بالمقلب الآخر يشهد صمتاً عربياً قاتلاً تجاه فلسطين واليمن والعراق وسوريا وليبيا لا يخرقه الا بعض البيانات غير القابلة للتنفيذ والخالية من اي وسيلة ضغط؟.

كيف يقتنع و أنظمة عربية تتجه علناً الى عقد الاتفاقات والصفقات مع العدوّ الاسرائيلي؟

كيف يقتنع وقد أصبحت ارضنا ودماؤنا العربية السوق الأول لتجارب وصفقات تجارة الأسلحة وصناعتها؟!.

لن يقتنع وبوتين أيضاً غير مقتنع.