علناً، ومن دون خجل، ولا ردع، وبكل وقاحة، بدأت ​إسرائيل​ تنفّذ "سحق وطحن" ​الشعب الفلسطيني​، بعد الانتهاء من تقسيمه بين غزة و​الضفة الغربية​. صحافتها تردّد هذه المصطلحات في توصيف دور موفد البيت الأبيض الأميركي ​جاريد كوشنر​ الذي يجول في المنطقة، لتطبيق ما حلم به التيار الصهيوني المركزي لسنوات طويلة. بالنسبة الى المنظّرين الإسرائيليين، فإن "الضربة الاولى كانت في العام 1948 عندما تم تحطيم الشعب الفلسطيني الى أربعة اجزاء: في اسرائيل، وفي الضفة، وفي قطاع غزة، وفي مخيمات اللاجئين في ارجاء دول العالم". يرى المنظّرون أنفسهم أن المهمة الآن هي سحق الفلسطينيين تماماً، "ذرّة إثر ذرّة. الفرد يتم فصله عن أخيه، الضفة الى جهة، وغزة الى جهة–وفي الضفة رام الله وحدها، وجنين وحدها. وفي الشتات–الفلسطينيون في الاردن الى جانب، وفي لبنان الى جانب آخر".

هذه هي روحية "صفقة القرن". يقترح كاتب في "هآرتس تسميتها "السحق النهائي". الدلائل تؤكد توصيفه. لم يعد في الساحة الاّ الفلسطينيون انفسهم، لمقاومة السحق والطحن الذي يطالهم. انها معركة وجود، تفرض تقريب المسافات بين الفلسطينيين. يبدو الرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​ شرساً بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، رغم تهديده من قبل تل ابيب بالويل، والتلويح ضمناً بتجربة ياسر عرفات الذي قضى بالسم.

بالنسبة الى تل ابيب، كما عبّرت صحافتها، بأن الفلسطينيين يغرقون من ناحية سياسية، مقابل إشراك الخطة الاميركية اكثر من أي وقت مضى محافل عربية اقليمية: السعودية، مصر والاردن.

وبحسب الاسرائيليين، فإن حدث الجولة السياسية الحالية للموفد الأميركي، هو قطاع غزة. تعتبر تل ابيب بأن لاسرائيل شركاء مسيطرين، "مصممون على اخراج الورقة الغزية المشتعلة والدامية من ايدي ايران. اما اخراج الورقة الغزية من ايدي اليسار الاسرائيلي فهي قصة اخرى، اصعب. لانه في مركز الخطة، بالنسبة لغزة، يوجد اعادة بناء الساحة السياسية في القطاع، وهذا بالطبع يعني اسقاط قيادة حماس". يسأل الإسرائيليون في صحافتهم: كيف يتم هذا؟ ويأتي الجواب، من دون شك ولا تردد: في القدس من الصعب أن نرى خطوة جذرية كهذه دون عملية عسكرية واسعة لاسرائيل في القطاع. فهل هذا ما سيحصل؟ من الصعب أن نعرف. لكن الاسرائيليين متفائلون بمحادثات كوشنر مع الدول العربية. في وقت يعتبرون فيه ان معارضة "أبو مازن" للقرارات الأميركية بخصوص "صفقة القرن" سيدفع بالرئيس الفلسطيني الى العزلة.

وكأن هناك قرارا أميركيا-اسرائيليا، وافقت عليه عواصم عربية، يقضي بتنفيذ الصفقة سريعا، بالرغم من عدم موافقة الفلسطينيين. لكن التصرف ازاء غزّه، بدأ عبر سياسة العصا والجزرة. فالاعلام الاسرائيلي تحدث عن موافقة وزير الدفاع الاسرائيلي ​أفيغدور ليبرمان​، من حيث المبدأ، مع رئيس قبرص على بناء ممر بحري على شواطئه يخدم غزة. هذا يعني بناء ممر بحري لمرور البضائع تحت إشراف إسرائيل بحيث لا تستطيع حماس "استغلاله" في تهريب الأسلحة والوسائل القتالية لغزة. لكن التنفيذ سيكون مشروطا بالافراج عن الجنود الاسرائيليين المحتجزين لدى حماس. الصحافة الاسرائيلية هلّلت لتلك الفكرة، بالحديث عن تحسين مستوى المعيشة في غزة إلى جانب ضخ أموال أميركية لإعادة تأهيلها.

وبحسب وسائل الاعلام العبرية فان رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ ناقش المقترح برفع الحصار واقامة الميناء مع قبرص مقابل الاسرى، كما تم عرضها على الادارة الاميركية كخطوة لانهاء معاناة اهالي قطاع غزة.

فما هو السر وراء التهديد بحصار رام الله، بينما تجري التسهيلات حول قطاع غزه؟

انها الخطة الإسرائيلية اولا لاستمالة الغزيين، وثانيا لنسف اي تنسيق بين عباس وحماس، ومنع اي جهود فلسطينية موحّدة في معارضة "صفقة القرن". الهدف الاسرائيلي هو السحق والطحن بمختلف الوسائل، في زمن انشغال الدول العربية والاقليمية بهمومها ومواجهة اكبر التحديات الاقتصادية التي دقت ابواب عواصم المنطقة.