حرب من نوع جديد "قديم" يخوضها ​لبنان​ مع العدو ال​اسرائيل​ي. حرب تقوم على الذكاء الاصطناعي وعوالم الفضاء الافتراضي، تشكل تهديدا جدّيا لكل العناصر اللبنانية، الرسمية، الاقتصادية، حتى الأفراد، والأخطر فيها هو "جهل" اللبناني لكل ما يتعلق بخفاياها أو على الاقل قلة معرفته.

يملك ​الجيش الاسرائيلي​ وحدة مختصة بالاستخبارات الفنية والحرب الالكترونية اسمها "الوحدة 8200"، وتضم جنودا "مختصين" تكون اعمارهم عادة منتمية لفئة "الشباب". جعلت هذه الوحدة على مدى الأعوام السابقة "اسرائيل" بالمرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة الأميركية في مجال الأمن "السيبراني". وما يعطي لهذه الوحدة قوتها هو توجه عناصرها بعد تخرّجهم منها الى افتتاح شركات انترنت خاصة تغطي كافة مجالات الأمن السيبراني اذ تملك اسرائيل اليوم ما يقارب الـ200 شركة من هذا النوع.

إن التطور الاسرائيلي في عالم الانترنت جعلها تستقطب مراكز أبحاث أهم الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا في العالم مثل مايكروسوفت، فايسبوك، وغيرها. أمام هذا الواقع يعاني لبنان من تأخر في مجال الامن السيبراني رغم وجود طاقات بشرية بارزة فيه، وذلك بسبب الضعف المؤسساتي، غياب التعاون الداخلي بين القطاعين العام والخاص، التأخير بإصدار التشريعات والقوانين المناسبة، وأخيرا الافتقار للبيئة المشجعة على الإبداع والبنى التحتية.

يشير رئيس الفرع الفني في مديرية ​مخابرات الجيش اللبناني​ العميد الركن أنطوان قهوجي الى ان مخاطر التطور الاسرائيلي والتأخر اللبناني في هذا المجال تبرز من خلال التقدّم التكنولوجي الذي تحظى به اسرائيل وتستثمره لضربنا، واستهداف البنى التحتية لاتصالاتنا وتجنيد العملاء في الداخل اللبناني وزرع العدد الكبير من منظومات التجسس، وضرب قطاعاتنا الاقتصادية مثلما حصل عام 2012 عندما نشروا فيروسا استهدف قطاعنا المصرفي.

الى جانب هذا الخطر، يجب على اللبناني أن يتيقظ من تداعيات التواصل مع اسرائيل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأثر ذلك في الصراع الدائر بين لبنان واسرائيل، ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما يكشفه العقيد في امن الدولة سمير البستاني عن "رياضيّ" لبناني تواصل عام 2014 مع رياضيين اسرائيليين في حدث خارجي كان يشارك به، ومن ثم تواصل الحديث بينهم بعد عودة اللبناني الى لبنان من خلال الفايسبوك والماسنجر الى حد أوصل اللبناني لنشر آراء تدعو للتطبيع مع اسرائيل.

ويضيف: "بعد الكلام الرياضي بدأ الكلام المتعلق بأماكن تواجد ​حزب الله​ والمعلومات المتعلقة به وعن لبنان"، مشيرا الى أن الامور أوصلت الرياضي اللبناني لأن نظم عام 2016 نشاطا رياضيا في لبنان شارك فيه أحد الاسرائيليين بجواز سفر ألماني وبعلم كامل منه"، داعيا لأن يتم التنبه لمخاطر التواصل مع المشتركين على وسائل التواصل الاجتماعي لان ذلك يشكل مدخلا للعدو من أجل تجنيد العملاء.

تتعدد وسائل "التجنيد" التي يعتمدها جهاز الاستخبارات الاسرائيلية، فالطريقة القديمة القائمة على تعبئة "الاستمارات"(1) لم تعد قائمة، بل أصبح التوجه أكثر نحو مواقع التوظيف الالكترونية او الاعلانات الالكترونية التي تحاكي الحصول على أرباح ومنافع، كالبطاقة الأميركية الخضراء أو "الغرين كارد"، وهي الطريقة التي استعملت لتجنيد لبناني تم اعتقاله بداية العام الحالي.

وفي التفاصيل التي يرويها الرائد في قسم التحقيق القومي في ​شعبة المعلومات​ الرائد حسان السلّاك أن اللبناني دخل الى رابط في خانة الاعلانات على الفايسبوك للاستحصال على "غرين كارد"، طلبوا منه تعبئة كل التفاصيل الشخصية عنه، درسوا ملفه فوجدوه هدفا جيدا لتجنيده، تواصلوا معه هاتفيا، ثم أرسلوا بطلبه لمقابلة خارج لبنان، ثم بدأ العمل معهم قبل أن يعرف أنهم من الاسرائيليين، ثم استمر بالعمل لديهم بعد علمه، لسببين، الاول ترهيبي بعد تهديدهم له بأنهم قادرون على فضحه، والثاني ترغيبي تمثّل بعرض الاموال عليه.

لان التوعية هي السلاح الأول الذي ينبغي استعماله في حرب الانترنت مع الاسرائيلي وغيره من الأعداء، ولان تحصين الساحة الافتراضية اللبنانية ضد التطبيع بحاجة الى حملات دعائية مختصة، تحرك ​الأمن العام​ اللبناني، ونظّم مؤتمرا شاملا حول "التوعية من المخاطر الاسرائيلية عبر الفضاء السيبراني"، برعاية مدير عام الأمن العام ​اللواء عباس ابراهيم​ الذي شدد في كلمته على ضرورة إيلاء هذا الشق الأمني عناية استثنائية لحماية الدولة ومؤسسات القطاعين العام والخاص والمرافق الحيوية.