يحصر المعنيون بعملية تشكيل ​الحكومة​ حاليا العقد التي تواجه رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ بما يسمى بالعقدتين المسيحية والدرزية، متجاوزين بذلك احدى أبرز العقد التي لن تتأخر بأن تحتل صدارة التعقيدات، في حال النجاح بايجاد المخارج المناسبة لتوزيع الحصص المسيحيّة وتلك الدرزية، وهي العقدة السنيّة. ويصرّ الحريري على التعاطي مع مطالب كل القوى السنيّة التي من خارج عباءة تيار "المستقبل"، سواء النواب الـ10 المقربين من "الثنائي الشيعي"، رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ الذي يطالب بتمثيله بشخصية سنيّة في الحكومة الجديدة، كأنها مطالب يستطيع تجاوزها لاعتقاده ان أقصى ما لهذه القوى قادرة عليه هو عدم منح الثقة لحكومته، علما ان المعطيات المتوافرة تؤكد تمسك حزب الله حتى النهاية بتمثيل أحد حلفائه السنة، لأن خلاف ذلك سيعني الاعتماد في عمليّة التشكيل على نتائج انتخابات العام 2009 لا العام 2018.

ويبدو ان حزب الله ليس مستعجلا للدخول على الخط لاعادة تحديد مطالبه، بعدما بات محسوما تقاسمه وحركة "أمل" المقاعد الشيعية الـ6 في حكومة ثلاثينية، من دون أن يعطي ايًّا من الأحزاب الأخرى كـ"القومي السوري" مثلا من حصته، كذلك بعدما بات أمرا مفروغا منه حصوله على وزارة الصحة. ولا شك ان الحزب أبلغ عبر القنوات المعتمدة رئيس الجمهورية باصراره على التوزير السنّي من خارج مظلة "المستقبل" على ان يتابع الموضوع عن كثب بعد توصل رئيسي الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والحكومة سعد الحريري الى صيغة جدية تلحظ على الاقل حلولا للعقدتين المسيحية والدرزية.

وان كان من الطبيعي تمثّل النواب السنة الـ10 بوزير سنّي، فان تمثل ميقاتي وكتلته النيابية لا يبدو محصورا بالحصة السنية، اذ تؤكد مصادر مطلعة أن ميقاتي وانطلاقا من حرصه على تسهيل مهمة الحريري أبلغه حين التقاه خلال جولته على رؤساء الحكومات بعيد عملية التكليف، استعداده للموافقة على التمثّل بوزير من طائفة أخرى وان كان يفضل أن يتمثل سنيا. وبهذا يكون ميقاتي قد عبّر عن ايجابية مطلقة وبخاصة بعد تسميته ونواب كتلته للحريري في الاستشارات الملزمة، بعد صراع مرير بين الرجلين بلغ ذروته في مرحلة الانتخابات النيابية. لذلك سيكون من الصعب والمحرج جدا أن يتجاوز الحريري تمثيل كتلة "الوسط المستقل" لأن من شأن ذلك أن يعيد علاقة الرجلين الى سابق عهدها، مع العلم ان من مصلحة "المستقبل" اليوم تحصين المصالحة مع ميقاتي لا فسخها، من منطلق انه لا ينقص التيار الأزرق من يواجهه في الساحة السنية التي رسخت نتائج الانتخابات أنه لم يعد "سيّدها".

وقد يسعى الحريري في حال أصرّ على الاستحواذ على الحصة السنية كاملة في الحكومة على منح ميقاتي أحد المقاعد المسيحية، علما ان الأمر لن يكون بالسهل على الاطلاق في ظل الصراع الكبير على تقاسم المقاعد المسيحية بين "القوات" و"الوطني الحر" وما يتردد عن عدم امكانية تمثيل "الكتائب" حتى، وسط اصرار "القومي السوري" على التمثل أيضا. وقد يكون المخرج لأزمة الحريري هذه، بحسب المعطيات، تسمية عضو تكتل "الوسط المستقل" النائب والوزير السابق ​جان عبيد​ على أن يكون من حصة رئيس الجمهورية نظرا الى ان علاقة صداقة قويّة تجمع الرجلين اللذين كانا يتنافسان على سدة الرئاسة. لكن ما هو مؤكد أن نقاشات ومشاورات التأليف لم تصل الى هذه التفاصيل، في ظل احتدام الصراع المسيحي–المسيحي بغياب اي مخارج ترضي الأطراف المتصارعة.

بالمحصلة، كل ما حصل ويحصل يؤكد هشاشة المعطيات التي تحدثت الاسبوع الماضي عن ولادة حكومية خلال ساعات وأيام. ولعل من أشاع هذا الجو ظن انه قادر على فرض صيغة ومن ثم تشكيلة حكومية تلبي طموحاته وأهوائه على شكل "أمر واقع" يرضخ له كل الفرقاء، متناسيا أن الأكثرية النيابية باتت في مكان آخر تماما وأن كل الاحتمالات والسيناريوهات تبقى مفتوحة وقد لوّح ببعضها نواب وشخصيات مقربة من حزب الله.