أكد ​السيد علي فضل الله​ ، في خطبة صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في ​حارة حريك​، أكد أنه "في لبنان لا يزال اللبنانيون ينتظرون أن تفرج لهم القوى السياسيّة عن الحكومة التي يتحدَّث المسؤولون عن تشكيلها، ويقولون إنَّها تحتاج إلى مزيد من الوقت، من دون أن يوضحوا السّبب"، متسائلاً "فما السّبب في ذلك؟ هل هو نتاج تعقيدات الداخل؟ وأيّة تعقيدات هي هذه التّعقيدات؟ أم أنه نتيجة عدم الرّغبة عند البعض في إجراء مقاربة موضوعيَّة لما أفرزته ​الانتخابات​، والانصياع لما حدث من تبدّل في موازين القوى، أو أن التأخير هو استمهال يتحدث عنه البعض من الخارج، انتظاراً لمعطيات ستظهر نتائجها في المنطقة، وهي تنعكس على لبنان".

وأشار فضل الله الى أنه "مع الأسف، يحصل هذا الأمر في الوقت الَّذي تعترف كل القوى السياسية، وبالفم الملآن والصريح، بمدى حجم الأزمات التي تعصف بهذا البلد، ولا سيما في هذه المرحلة، حيث الحديث المتواتر عن بلوغ البلد حافة الانهيار الاقتصادي والمالي أو اقتراب الاستحقاقات الدولية الإقليمية، التي سوف تنعكس على البلد، في ظلّ تطورات الوضع الميداني والسياسي في ​سوريا​، أو الضغوط التي تمارس على إيران، وعلى فريق أساسي في الحياة السياسية في لبنان، وازدياد الضغط الأميركي لوضع صفقة القرن موضع التنفيذ، حيث سيكون لبنان أمام استحقاق رفضها، لعدم تضمنها حق عودة ​اللاجئين الفلسطينيين​ إلى أرضهم، وهو ما يؤدي إلى تكريس ​التوطين​، ولو بنحو غير مباشر".

وتابع بالقول "إننا أمام ذلك، نعيد دعوة المسؤولين إلى أن يصارحوا اللبنانيين بحقيقة ما يجري على المستوى الحكومي، والسبب الذي دعا ويدعو إلى هذا التأخير، رغم كل ما يجري أو سيجري في الداخل والخارج، فهذا من حقهم"، معتبراً أنه "من المؤسف أن نجد في هذا العالم من يأتي إلى لبنان، كما حصل في الزيارات الأخيرة، أو من يهتم به ويبدي استعداده لمساعدته، وإن كانت الأسباب مختلفة لذلك، فيما اللبنانيون أنفسهم، وهم المكتوون بنار مشاكله، في شغل عنه".

كما ذكر انه "على كلّ القوى السياسية التي تمسك بزمام المسؤولية أن لا تكتفي بتوصيف المشاكل، أو بنعي البلد اقتصادياً وإنمائياً، أو بإلقاء التهم على الدولة، كما يحصل، حتى ضاع اللبنانيون ولم يعودوا يعرفون من هي الدولة التي يوجّه إليها الانتقاد، بل بالتراجع لمصلحة الشعب، من خلال تسهيل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على حساب المصالح الخاصة، وتقديم الحلول الناجعة، لإخراج البلد من أزماته، وجعله قادراً على مواجهة التحديات والاستحقاقات".

ونوه الى "أننا نصل إلى ​البقاع​، الّذي أثبت، وبالوقائع التي تؤكّدها أجواء الارتياح التي عبَّر عنها المواطنون والقوى السياسية، ما كنا قلناه من حرص أهالي هذه المنطقة وفعالياتها على وجود الدّولة، وأنَّ المشكلة لم تكن في أبناء المنطقة، ولا في القوى السياسية الفاعلة، بل بعدم أداء الدولة لمسؤولياتها أو لعدم إقدامها على ذلك"، مشيراً الى أنه "يبقى على الدّولة أن لا تكتفي بالحل الأمني لكل ما كان يجري في هذه المنطقة، بل لا بد من أن يُواكب ذلك بخطة إنمائية جادة تؤدي إلى تحريك العجلة الاقتصادية، لحماية أبنائها من أن يكونوا عرضة لمن يستغلون حاجاتهم المادية ومتطلباتهم".

وشدد فضل الله على أنه"من جهة ثانية، مرَّ علينا قبل أيام اليوم العالمي لمكافحة المخدّراتهذه الآفة التي باتت من أخطر الآفات التي هددت البشرية في تاريخها، وتهددها في حاضرها ومستقبلها، بل هي معضلة العصر، وآثارها لا تقف على المدمنين، بل على أمن المجتمع واستقراره"، لافتاً الى "أننا نرى أنَّ مجتمعنا كغيره، وبفعل أسباب عديدة، ليس محصّناً من هذه الآفة، بل هو مستهدف في ذلك، الأمر الذي يتطلَّب من كل الجهات والعناصر أن تتضافر جهودها، بدءاً من البيت والأسرة، إلى المدرسة، إلى كلّ من هو مسؤول والكلّ مسؤول في المجتمع، للتعاون لمنع انتشار هذه الآفة بين فتياتنا وفتياننا وفي المجتمع".

وتابع بالقول ان "نحن في الوقت الَّذي نؤكّد أهمية ما تنجزه الأجهزة الأمنيَّة في ملاحقة مروّجي ​المخدرات​ وشبكات صناعتها وتعاطيها وبيعها وما إلى ذلك، ونقدر هنا الجهود التي تبذل، إلا أنّنا نرى أن هذا العمل الأمني ليس كافياً وحده، بل لا بد من أن يواكب بخطة تنموية متكاملة، تتحمل فيها الدولة والأحزاب والهيئات المدنية والأهلية والرسمية المسؤولية في عملية التنسيق والتعاون لمحاصرة هذه الآفة وتحصين مجتمعنا منها"، موضحاً "أننا نريد لهذا اليوم أن يكون يوم استنهاض لمواجهة هذه الظاهرة، بالوقاية والعلاج، وإخراج من وقعوا فيها من مأساتهم ونحن بدورنا، ومن موقع مسؤوليتنا في مواجهة هذه الظاهرة، وضعنا الحجر الأساس لبناء مؤسسة تعنى بذلك ونأمل أن نوفّق من خلال الطيّبين أمثالكم لإنجازها".

ولفت الى"أننا نقف عند الحادث المؤسف الذي حصل في ​حي السلم​ والذي أودى بحياة شاب بطريقة مأساوية يدل ذلك على ارتفاع نسبة التوتر والعصبية ومنها مؤخراً العصبية الكروية التي تتحكم في واقعنا ما يؤدي إلى استسهال القتل والذي يحتاج إلى معالجة جادة وإلى دور ينبغي أن يقوم به الباحثون في الشؤون التربوية والاجتماعية والأخلاقية".

كما أوضح "اننا نلتقي في الرابع من تموز، بالذكرى السنوية الثامنة لرحيل سماحة المرجع المجدد السيد محمد حسين فضل الله، الذي نعمنا بوجوده ردحاً من الزمن في حياتنا معه، حين حلَّق بنا في فضاء الروح والخلق والإنسانية والوعي والمعرفة، وشعرنا من خلال مواقفه وحكمته بالعزة والكرامة والحرية والقوة والعنفوان، وبأنَّ هناك جسراً مفتوحاً يربطنا بالآخر، أياً كان هذا الآخر، إنساناً أو ديناً أو مذهباً أو موقعاً سياسياً، حيث لا انغلاق معه ولا عصبية ولا تقوقع، بل العقل مفتوح والقلب مفتوح والبيت مفتوح"، منوهاً الى "أننا بعد ثماني سنين على غيابه، لم نشعر للحظة واحدة بأنه غائب أو بعيد عنا... هو حاضر نراه في فكره الحيّ، وفي وصيّته المتحركة، وفي فقهه المتجدّد دائماً، وفي دوره الرسالي، وفي المؤسّسات التي تركها بين أيدي الناس الذين شاركوه فيها".

وختم فضل الله بالقول "لقد وفت الأمّة للسيّد في كل ما قدمت، ولا تزال، في حضورها في كلّ ميادينه.. وفي يوم الأربعاء، سنكون معاً لنجدّد له عهد الوفاء، لا لشخصه، بل للرسالة التي آمن بها، وللمسؤوليات التي عهد إلينا بها، وللقيم التي أفنى حياته وتحمل ما تحمل من أجل تثبيتها".