لم يكن من باب الصدفة ان يجمع رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، رؤساء الحكومات السابقين: فؤاد السنيورة، ​نجيب ميقاتي​ و​تمام سلام​، في ​بيت الوسط​ ويبحث معهم الاوضاع الراهنة في البلاد. وليس غريباً ايضاً ان يخرج هؤلاء ببيان يدعمون فيه الحريري في مهمة ​تشكيل الحكومة​، ويدعون الجميع الى تسهيل مهمته. هذا اللقاء اتى في وقت تصاعد فيه كلام عن دعوات لسحب التكليف من الحريري وتسليمه الى شخصية سنّية اخرى، وفي ظل تصاعد الطلبات من قبل اطراف لبنانيين للمشاركة في الحكومة وفق شروط معيّنة.

النقطة الاولى التي سجّلها الحريري من خلال هذا اللقاء، هو عرض القوّة الذي اظهره، فاللقاء تم في منزله، علماً انه ليس الاكبر سناً ولا الاقدم في تولي منصب رئاسة الحكومة، الا انه رئيس مكلف تشكيل الحكومة حالياً، ويعتبر اللقاء في بيت الوسط بمثابة اعتراف علني بأن الحريري لا منافس له على منصب رئاسة الحكومة، وعلى الجميع ان يعي ذلك، لانه بات يتمتع بتأييد رؤساء حكومات سابقين اختلفوا معه في جولات كثيرة، ولكنهم اتفقوا اليوم على تأييده، وبالتالي لم يعد من الممكن ادخالهم في حسابات انتزاع التكليف وتسليمه الى احدهم.

الرسالة الثانية التي اراد الحريري ايصالها الى من يعنيهم الامر، ان كل ما يسمى بالمعارضة السنّية لن يكتب لها النجاح في فرض نفسها كبديلة عنه، لان الامور ستكون اكبر من ذلك وتحتاج الى دعم اقوى من قبل قوى دولية واقليمية ومحلية ليست متوافرة لمعارضيه كي يحلوا محله. وقد تعمّد رئيس الحكومة المكلف تسمية بعض الشخصيات السنّية الفاعلة على انها خارج هذه المعارضة (خلال زيارته الاخيرة الى ​قصر بعبدا​)، فسحب بساطاً محلياً مهماً من تحتها، لتجد نفسها دون حضور كبير على الساحتين الاقليمية والمحلية.

ولا شك ان هاتين النقطتين يبني عليهما الحريري الكثير، معتمداً على دعم السعودية التي لا تزال تملك الورقة السنّية في لبنان، ولم تتخلّ عنها لتركيا او لغيرها، وهي حاضرة للاستمرار في اكمال المواجهة مع ايران بعدما حصلت على دفعة قوية من ​الولايات المتحدة​ في هذا المجال. ان اجتماع كل هذه العناصر، دفع الحريري الى استعادة صورة رئيس الحكومة القوي في وجه رئيس الجمهورية القوي ورئيس ​مجلس النواب​ القوي ايضاً، والقول لجمهوره انه اجرى كل ما يجب اجراؤه في سبيل طي صفحة ​الانتخابات النيابية​ التي بدا فيها اضعف مما يجب، وهو الذي خاضها لتعزيز وتقوية جمهوره وتياره، حتى انه ضحّى بأقرب المقربين منه من اجل احداث "الصدمة الايجابية" (الحقيقية هذه المرة وليست المصطنعة التي اطلقها خلال احتجازه في السعودية)، لدى قاعدته. اما الرسالة الاخيرة التي اراد الحريري ارسالها، فهي الى الاطراف اللبنانية التي تفرض شروطها لتسهيل تشكيل الحكومة، ومفادها ان هذه الاطراف عالقة معه شاءت أم أبت، وبالتالي لن يكون هو "مكسر عصا" وسيفرض شروطه ايضاً، ولن يرضى ان تأتي الحلول على حسابه لانه لن يكون بمقدوره بعد اليوم التنازل اكثر مما فعل، والا سيصبح مهدّداً بتقويض صورته لدى الشريحة السنّية في لبنان وسيبدأ البحث عن غيره، وهو امر لن يصب في مصلحة احد وخصوصاً مصلحته.

من هنا، اتى عرض القوة الذي قام به الحريري، والنداء الذي اطلقه لمن يرغب في ان يسمع، انه عاد بقوّة اكبر واستعاد صورته القديمة، مع التزامه الحتمي بعدم رفع السقف الذي تمّ تحديده منذ فترة غير قصيرة، والبقاء في الحدود المقبولة إنْ من خلال التصريحات او التصرّفات. ولن يطول الامر لمعرفة تأثير هذه الرسائل على الاطراف اللبنانية التي ستتعاطى مع المسألة وفق المعطيات الجديدة.