تتفاقم القضايا الحياتية والمعيشية للمواطنين من تزايد انقطاع ​التيار الكهربائي​ مع بداية فصل الصيف، وانعكاس ذلك على ارتفاع كلفة الفاتورة التي يدفعها المواطنون كبدلات لاشتراكات المولدات الكهربائية، وانقطاع ​المياه​ نتيجة عدم توفّر التيار الكهربائي، ما يكبد المواطن مصاريف إضافية لشراء المياه.

في خضم ذلك، ما تزال القضايا البيئية تتصدر الاهتمامات بين ما يتعلق منها بالكسارات والمقالع، ودخول ذلك ضمن الحسابات الطائفية والمذهبية، بعدما كانت سابقاً مناطقية.

وبات ملحاً ضرورة المعالجة الجذرية لهذه القضايا، التي تتصدر الحياة اليومية للمواطنين، إلا إذا كان الهدف إلهاؤهم بهذه القضايا عن متابعة القضايا المطلبية الأخرى، ومنها ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة وفاق وطني.

وأيضاً عدم وضع العصي في دواليب التأليف، بل تسهيل مهمة الرئيس المكلف ​سعد الحريري​ ​تشكيل الحكومة​، بعدما نال 111 صوتاً من بين 128 في ​الاستشارات النيابية​ الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ (24 أيّار 2018).

وتبرز المسؤولية الكبرى على وزارة ​البيئة​ في وضع حدّ للعديد من القضايا البيئية، وفي طليعتها ما يتعلق ب​المقالع والكسارات​، ومطامر ​النفايات​ التي أصبحت معالم على الطرقات، وفي الأماكن السياحية، تُهدّد ليس البيئة كهواء، بل المياه الجوفية والبحرية، وصولاً إلى ضرورة مراقبة إلتزام معامل ​معالجة النفايات​ بالعقود التي جرى توقيعها، وعدم تحويل البعض إلى "كنتونات" خاصة، مقايضين تكديس النفايات في الشوارع وعدم استقبالها، في محاولة للضغط وذر الرماد في العيون على التجاوزات داخل حرم بعض هذه المعامل!

ويطرح السؤال الأبرز، ما هي الدوافع الحقيقية لعدم فاعلية الكثير من مجموعات ​الحراك المدني​ بالتحرك إلا قلّة قليلة، وكأن البعض كان يستجيب لتوجيهات وتحريك من سفارات وجهات سياسية محلية وإقليمية ودولية، وصولاً إلى محاصرة مقر ​وزارة البيئة​ التي كان يتولاها محمّد المشنوق في حكومة الرئيس ​تمام سلام​، منتصف آب 2015، قبل أن يهمد هذا الحراك، وكأنه جرى "تخديره" استباقاً لتفرق العشاق، حيث تجلى ذلك انقساماً وخلافات بين الكثير من هذه المكونات في ​الانتخابات النيابية​ التي جرت في أيّار 2018.

فقد فتحت الجولة الميدانية التي قامت بها "هيئة متابعة قضايا البيئة" في ​مدينة صيدا​ إلى "معمل معالجة النفايات الصلبة" في المدينة، التجاذبات على أكثر من صعيد، وكل يسعى إلى استمالة الحقيقة لجانبه والدفاع عن وجهة نظره!

عدم الإلتزام بالشروط

لكن الحقيقة الثابتة، أن "معمل معالجة النفايات" في صيدا، والذي انتظر "أبناء المدينة لأكثر من 15 عاماً لانجازه والتنعم به، مع ما تحملوه من مماطلة بفعل غياب القوانين والمراسيم المطلوبة لانجازه، أو ما أقدم عليه حمزة المغربي عند الإعلان عن فكرته، وكيف جرى ابتزاز المساهمين العرب فيه، ما كبدهم مبالغ مضاعفة عمّا كان مقرراً، هو من يراقب عمل المعمل!

ولماذا لم تستجب الشركة المشغلة (IBC) للشروط التي وضعت؟ ولماذا لم يتم تنفيذ ما نصت عليه الاتفاقية بنقل العوادم إلى "معمل سوكومو" في ​البقاع​، علماً بأن إدارة المعمل أعلنت بتاريخ 5 كانون الثاني 2016 أنه تمّ التوصّل إلى "zero cand fill" لاستخدامها وقوداً أو أحجاراً للبناء والطرق، وأيضاً تدوير المواد غير العضوية وتحويلها إلى مواد خام لإعادة استخدامها.

والمفاجأة هي طمر ليس فقط العوادم في حرم المعمل، بل النفايات دون معالجتها، وتحويله إلى مكب جديد، حيث تكدست أطنان النفايات مشكلة تلالاً ترتفع أمتاراً عدّة، وتتسع رقعتها، أعادت إلى الأذهان مشهد جبل النفايات القديم، ولعل الهدف هو زيادة مساحة حرم المعمل بالردميات، لأن العقد أجاز للشركة، إمكانية الحصول على الأرض التي شيد فوقها المعمل والبالغة 34000م2، هذا علماً بأن العقد ينص على إشراف ​بلدية صيدا​ على أعمال التشغيل من خلال شركة استشارية تدعى "بيرو فارتياس".

السعودي

ومطلوب أن لا يتم إستغلال هذه الأزمة والمضاعفات المتوقعة، بأن تنقل إدارة المعمل ​أزمة النفايات​ إلى حاويات الطرقات، وجوانبها وامتدادها على مساحة كبيرة، وهو ما بدأ مشاهدته بعد إعلانها رفض استقبال ​شاحنات​ نقل النفايات التي تكدست في الحاويات، وبدأت تمتد إلى جوارها، ومخاطر حرقها في مكانها، وأن يكون نقل هذا المشهد، للفت الأنظار عن الصور التي جرى تناقلها عن ردم النفايات في حرم المعمل دون معالجة، ما أدى إلى تلال من النفايات والأتربة.

وهنا يطلق نداء إلى رئيس "​اتحاد بلديات صيدا​ - ​الزهراني​" وبلدية صيدا المهندس محمّد السعودي، الذي نجح بحكمته بتحويل جبل النفايات إلى ​حديقة​ حملت اسمه، بأن يُبادر بالدعوة إلى لقاء موسع لمختلف الفاعليات في صيدا، لبحث كافة القضايا الملحة، وفي مقدمها ما يتعلق بالبيئة والنفايات والكهرباء والمياه وغيرها.

* وليلاً أعلن السعودي، أنه "بعد قيامنا بالإتصالات مع الجهات القضائية والأمنية الرسمية المسؤولة، وحصولنا على التطمينات الأمنية الضرورية لتأمين الحماية الدائمة والأجواء الطبيعية لحسن سير العمل في المعمل، بالإضافة لحصولنا على التعهدات الضرورية لإجراء تحقيق في الأحداث التي جرت وصولا لمحاسبة كل من يثبت ضلوعه في الإعتداء والتسبب بالأضرار، وبعد أن جرى إبلاغنا بأن هذه التطمينات ستلحظ في مقررات ​مجلس الأمن​ الفرعي في ​الجنوب​ يوم (الإثنين)، طلبنا من إدارة شركة (IBC) بالرجوع عن قرارها بالإغلاق ومعاودة سيرورة العمل فوراً".

وختم السعودي قائلاً: "إن بلدية صيدا ستستمر بالعمل على تطبيق كل مندرجات تقرير الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح، والعمل بتوصياته توصلاً لمعالجة الشوائب والثغرات كافة".

الحريري

* من جهتها، عرضت النائب ​بهية الحريري​ الأوضاع في صيدا من مختلف جوانبها في اجتماع عقد في ​مجدليون​ مع مفتي صيدا وأقضيتها ​الشيخ سليم سوسان​، رئيس البلدية المهندس السعودي، قائد منطقة الجنوب الإقليمية في ​قوى الأمن الداخلي​ العميد ​سمير شحادة​، بحضور شفيق الحريري، رئيس "​جمعية تجار صيدا وضواحيها​" ​علي الشريف​، رئيس "​جمعية المقاصد​ الخيرية الإسلامية" في صيدا المهندس يوسف النقيب، منسق عام "​تيار المستقبل​" في الجنوب الدكتور ​ناصر حمود​ ومنسق دائرة صيدا في التيار أمين الحريري، المحامي ​حسن شمس الدين​ وعدنان الزيباوي، حيث جرى خلال اللقاء التداول في المستجدات على الساحة الصيداوية وبعض القضايا الحياتية ولا سيما ما يتعلق بأزمة النفايات المستجدة.

هذا، ويترأس محافظ الجنوب ​منصور ضو​ اجتماعاً لـ"مجلس الأمن الفرعي" في الجنوب، الساعة الواحدة من ظهر اليوم (الإثنين) في مكتبه في ​سراي صيدا​ الحكومي، لبحث العديد من الملفات، وبينها ما يتعلق بأزمة النفايات وتداعياتها.

سعد

* إلى ذلك، أكد أمين عام "​التنظيم الشعبي الناصري​" النائب الدكتور ​أسامة سعد​ "أن جولة المعاينة الميدانية التي نظمتها هيئة متابعة قضايا البيئة يوم الجمعة الماضي، قد كشفت عن الحجم الهائل للجرائم البيئية التي ترتكبها إدارة معمل النفايات داخل حرم المعمل، وفي الحوض البحري والأرض المردومة المجاورة، ومن بين تلك الإرتكابات والجرائم ألوف الأطنان من النفايات القديمة المتعفنة والمكدسة في باحات المعمل من دون فرز أو معالجة، أو المرمية على الأرض المردومة على مساحات واسعة وبارتفاع بناية من طبقات عدة ومغطاة بطبقة رقيقة من الردميات، وتلك النفايات تشكل المصدر الرئيسي للروائح الكريهة والغازات الضارة التي تسمّم أجواء صيدا والجوار، وللجراثيم والحشرات التي تنقل ​الأمراض​ وتلحق بالغ الأذى بصحة المواطنين".

وقال: "بهدف التغطية على ما كشفته الجولة الميدانية، ومن أجل نقل اهتمام الرأي العام إلى مكان آخر، لجأت جهات سياسية وإدارية وبلدية معروفة إلى اتخاذ إجراءات عقابية وابتزازية ضد الناس، فأقدمت على إقفال المعمل ومنع جمع النفايات من الشوارع، وإقفال المسلخ، في محاولة مفضوحة للتصويب على المواطنين الذين تحركوا دفاعاً عن البيئة وصحة الناس ولمنع نهب المال العام".

ودعا النائب سعد "الجهات المشار إليها للتوقف عن هذا السلوك المشين"، موجهاً لها الإنذار "من أجل إعادة فتح المعمل وجمع النفايات قبل اليوم (الإثنين)، وإلا سنلجأ إلى تدابير ميدانية لرفع الضرر عن الناس، ونقل النفايات من الشوارع والأحياء إلى حيث يجب أن تكون، مؤكداً أن ابتزاز الناس سوف ينقلب على أصحابه".

وشدد على "مطالبة البلديات والإدارات الرسمية المعنية بمراقبة أداء المعمل للتأكد من قيامه بالمعالجة السليمة للنفايات والتقيد بالشروط البيئة الصحيحة، وبعدم دفع أي مبلغ للمعمل في حال إخلاله بهذه الشروط، ضرورة عدم استيراد أي نفايات من خارج مدينة صيدا والجوار حتى لا يغرق المعمل في كميات كبيرة من النفايات تفوق طاقته على الفرز والمعالجة".

وتوجه إلى الرأي العام لـ"التأكيد على أن المطلوب هو إصلاح الخلل في أداء المعمل من أجل حماية صحة الناس وسلامة البيئة، وليس إقفال المعمل، كما يروج البعض زوراً وافتراء".

وتوجه النائب سعد إلى كوادر "التنظيم الشعبي الناصري" والأصدقاء وسائر المهتمين بالدفاع عن قضايا الناس، داعياً إياهم إلى "البقاء على أهبة الاستعداد للتحرك من أجل إزالة الضرر عن الناس، إذا لم يتم جمع النفايات، اليوم (الإثنين)".

"​الجماعة الإسلامية​"

* فيما أكدت "الجماعة الإسلامية" على:

- أولاً: ضرورة معالجة الخلل الحاصل في معمل فرز النفايات، وتحميل إدارة المعمل مسؤولية الأضرار اللاحقة بالمواطنين الصيداويين من روائح كريهة وانبعاث للغازات والإضرار بالبيئة نتيجة لتقاعسها عن إيجاد الحلول العملية لهذه المشكلة البيئية ونكثها المتكرر لكل الوعود السابقة.

- ثانياً: إن حجم الضرر الواقع على المدينة بسبب تراكم العوادم التي تحولت الى جبلٍ جديدٍ يدعونا مجدداً لمطالبة المجلس البلدي لمدينة صيدا بالتوقف الفوري عن استقبال أي نفايات من خارج نطاق "اتحاد بلديات صيدا" تحت أي حجة كانت.

- ثالثاً: إن الحل العملي والجدي لهذه المعضلة البيئية لا يكون إلا بتأمين مطمر صحي للعوادم، وهذه مسؤولية ​الدولة اللبنانية​ أولاً ومسؤولية أخلاقية للبعض ثانياً.

- رابعاً: رغم تأكيدنا على رفضنا للظلم والضرر الواقع على أبناء صيدا نتيجةً لهذا الواقع غير الصحي للمعمل، ومع تأكيدنا على حق المواطن في التعبير السلمي عن رفضه لهذا الواقع، إلا أن ما حصل أعادنا بالذاكرة للحادثة التي سقط خلالها شهيدان مظلومان من أبناء المدينة (فيما عرف بقضية ​مولدات الكهرباء​) نتيجة للتعبئة الخاطئة واستعمال الشارع، وهذا ما كدنا نراه لولا لطف الله، لذلك نطالب بتحكيم لغة العقل والحوار والابتعاد عن الشارع في معالجة مثل هذه القضايا، وندعو سعادة محافظ الجنوب منصور ضو إلى الدعوة للقاء سريع وعاجل لفعاليات المدينة لتدارك الأمر، ووضع النقاط على الحروف، وإيجاد الحلول المنطقية والعملية بعيداً عن لغة التخوين والاتهام أو التهديد باستخدام الشارع الذي قد لا يتخيل الجميع نتائجه الكارثية على المدينة.

- خامساً وأخيراً: ندعو إدارة المعمل للتراجع الفوري عن قرارها الجائر بحق المدينة بعدم استقبال النفايات، لان معاقبة المدينة على ما حصل، لن يكون أبداً لصالح المعمل ومشغليه، بل سينقلب عليهم بازدياد عدد الناقمين على التقصير الحاصل، وندعوها لاستبدال الإقفال بالعمل الجدي على معالجة الخلل وتجويد العمل وابتكار الحلول لرفع الظلم الواقع على صيدا وأبنائها.

البزري

* أما الدكتور ​عبد الرحمن البزري​، فتساءل عن دور وموقف بلدية صيدا من الأزمة البيئية المستمرة، وما نتج عنها من أحداث دراماتيكية تهدد بتراكم النفايات بشوارع المدينة؟، مستغرباً صمتها وغياب أي موقف واضح؟.

وقال: "هل استقالت البلدية من مهماتها الأساسية، وفي طليعتها جمع النفايات، ومعالجة الملف البيئي، أم أنها تنتظر كالعادة حلاً يُوحى به إليها من جهاتٍ معينة؟!".

وختم البزري داعياً إلى "إيجاد حلٍ سريع ل​مشكلة النفايات​ في صيدا، لأن المواطن الصيداوي هو وحده من يُعاني منها، ويدفع ثمن سوء إدارة هذا الملف، ووضعه في خانة المحسوبيات والصفقات التي لم تتضح فصولها".