لفت متروبوليت ​بيروت​ وتوابعها المطران الياس عوده خلال رعايته إقامة ​المدارس​ التابعة لأبرشية بيروت للروم الأرثوذكس حفل تخريج 213 طالبا إلى "إنها لحظة فريدة تلك التي تشعرون فيها بالتحرر من نير المدرسة والمدرسين، ووطأة البرامج المفروضة عليكم، والمواد التي لا تستسيغونها، وأظنكم الآن، في احتفال تخرجكم، تحلمون بالتفلت من القيود وبالحياة الجامعية والتخصص في الحقل الذي اخترتموه، لكن حلمكم هذا ما كان ليصبح حقيقة لولا السنوات التي قضيتموها على مقاعد المدرسة، تنهلون العلم وتتدربون على المبادئ والقيم والأخلاق وقبول الآخر ومحبته والعيش معه واحترامه. غدا عندما تكبرون أو تشيخون، سوف تتذكرون هذه الأيام ​بحنين​ وشوق لأنها من أجمل سنوات الحياة".

وأضاف: "أيها الأحبة، ككل سنة، في نهاية ​العام الدراسي​، يغادر آلاف التلامذة مقاعد المدارس منطلقين في رحلة بحث عن مستقبل يرجونه مشرقا، لكننا في ​لبنان​ نعيش مرحلة صعبة يشوبها الغموض ويكتنفها ما يشبه اليأس والإحباط، فالأمور غامضة في السياسة، واقتصادنا على حافة الإنهيار، وبيئتنا تنتهك كل دقيقة بلا وجل، والأخلاق أصبحت عالة على أصحابها لأن السائد هو قلة الأخلاق واعوجاج السلوك واستباحة القانون والإساءة إلى خلائق الله جميعها بدءا بالإنسان، وصولا إلى الحيوان والنبات وكل مكونات الطبيعة".

وتابع: "مستقبل لبناننا الحبيب ضبابي، غامض الملامح، لكنني واثق بأن شابات وشبانا مثلكم سوف يكونون الملح الذي يضفي الطعم الطيب على مجتمعنا، والخمير اليسير الذي يخمر العجين كله بحسب قول الرسول بولس (غلا 5: 9). أنتم أمل الغد. أنتم السراج الذي لا يوضع تحت المكيال، بل على ​المنارة​ ليكون نوره مشعا للجميع (متى 5: 13-17)، لكن هذا الحلم لن يتحقق إذا لم تصونوا أنفسكم ضد كل عاهات عالمنا وسقطاته وضد خطايا مجتمعنا اللبناني، الذي نخره السوس وأفسده. في صلواتنا نردد: "منذ شبابي أهواء كثيرة تحاربني، لكن أنت يا مخلصي أعضدني وسلمني". تجارب الحياة كثيرة، لذا عليكم أن تحصنوا أنفسكم بالإيمان أولا، ثم بالأخلاق والاستقامة والنزاهة والأمانة لوطنكم وللقيم التي نشأتم عليها في بيوتكم ومدارسكم. حصنوا أنفسكم بالعلم والمعرفة والمزايا الحميدة، بالفكر الحر المسؤول والخلاق، بالحرية المبدعة، وشمروا عن سواعدكم وثوروا على كل ما يعيق نموكم ونمو مجتمعكم".

وتوجه إلى الطااب قائلا: "ثوروا لا كما يثور الجهال، بل فلتكن ثورتكم نابعة من عقولكم وأفكاركم وإبداعاتكم. ثوروا، لا بالرصاص والحقد والشتائم، بل بالأقلام والأحلام التي عليكم أن تسعوا بشتى الطرق إلى تحقيقها والصعود بالإنسانية إلى أعلى درجاتها. لا شيء يوصلكم إلى الحرية، إلا الثورة الحقيقية، الثورة على الجهل والظلم والحرب والتخلف والتعصب والتكفير والقتل والتهجير وكل ما يسيء إلى الإنسانية، وإلى خلائق الله. أما نحن، فكما حاولنا جاهدين تنشئتكم على العلم والفضائل، سوف نساعدكم في هذه الثورة الفكرية التي ندعوكم إليها، سوف تنشأ في أبرشيتنا المحروسة بالله، جامعة القديس جاورجيوس التي ستكون المرفأ الأمين للأجيال المنطلقة أولا من مدارس الأبرشية، إنما أيضا من كافة مدارس بيروت الحبيبة، وغيرهم من طالبي العلم والمعرفة والثقافة. سنثور معكم على الجهل الضارب في أصل مجتمعنا الذي يظن أن قوته في عضلاته أو سلاحه لا في عقله. لا تخافوا من تحديات الحياة، فالحياة بدون تحديات حياة يجب ألا نحياها، كما يقول سقراط. أما إميل زولا فيقول: "ساعة أو ربما دقيقة قد تكون كافية ليعمل القدر عمله ويحيل الهزائم انتصارات". لذا، افتدوا الوقت واستغلوا كل فرصة وكل دقيقة وأنتم مسؤولو الغد، أنتم بناة المستقبل، أصلحوا النظام، كافحوا ​الفساد​، واجهوا التحديات، استلهموا الماضي لبناء المستقبل، إنما تعلموا من أخطاء الماضي لئلا تقعوا في مستنقعها وتغرقوا. لقد حباكم الله العقل والقلب والضمير. لا تستهينوا بواحدة منها، بل أعملوا العقل بإلهام القلب وإرضاء الضمير. لا تدعوا الكبرياء يتسلل إلى نفوسكم لأنه يهلكها. التواضع فضيلة كبرى تبعدكم عن استغلال الغير والتحكم به. الاستبداد آفة قاتلة تقضي على صاحبها لأنه يفقد إنسانيته ويعبد أناه فيضل. إحترموا الآخر، وحافظوا عليه، كما تحافظون على أنفسكم، ولا ترضوا له ما لا ترضونه لأنفسكم، كونوا مواطنين صالحين يسهرون على خير وطنهم ومواطنيهم. كونوا رحماء، كما أن أباكم السماوي رحوم، كونوا محبين كما أحبكم الرب حتى أنه وضع نفسه من أجلكم، أبعدوا الحقد عن قلوبكم، أطردوا الشيطان من حياتكم لئلا يوقعكم في التجارب، إزرعوا ​المحبة​ والفرح، وحصادكم يكون خيرا وفيرا، كافحوا متكلين على الله، وهو يعيلكم، ألا بارككم ومنحكم مستقبلا مزهرا لتكونوا فخرا لوطنكم".