ما كان مُتوقّعًا أن يحصل في مدارس ​القطاع الخاص​، عند إقرار ​سلسلة الرتب والرواتب​ بشكل غير مدروس للقطاع العام، حصل، والمُشكلة التي أوجدتها القرارات الشعبويّة العشوائيّة وغير المبنيّة على أي دراسات علميّة، تتفاقم بشكل سريع، وهي بلغت أخيرًا مرحلة مُتقدّمة جدًا من التدهور. فما الذي يحصل، وهل من حلول مُرتقبة؟.

"كرامة الأساتذة من كرامة النقابة، وليس من المقبول أن يتمّ صرف الأساتذة بهذا العدد وبهذا الشكل"، هذا الكلام النظري هو لنقيب المُعلّمين في ​المدارس الخاصة​ رودولف عبّود، يُقابله واقع عملاني مرير يتمثّل في إستغناء العديد من المدارس الخاصة عن عدد ضخم من المُعلّمين والأساتذة يتراوح ما بين 500 و700 أستاذ ومعلّم، حيث تغيب الإحصاءات الدقيقة في ظلّ الفوضى السائدة، وغياب كل من التنسيق ومركزيّة القرارات والشكاوى. وفي المُوازاة، يتواصل إقفال المدارس الخاصة الواحدة بعد الأخرى، حيث سُجّل في الأيّام القليلة الماضية إقفال مجموعة من المدارس في مناطق نائية، وخرجت إلى العلن قضيّة إقفال مدرسة راهبات مار يوسف-الظهور في مدينة صُور، وقضيّة مدرسة المقاصد-كليّة خديجة الكُبرى في فردان، والحبل على الجرّار. وتساقط بعض المدارس الخاصة الواحدة بعد الأخرى كأحجار الدومينو، يعود إلى أسباب ماديّة بحت، نتيجة زيادة كبيرة في المصاريف لم يُواكبها زيادات مُوازية في المداخيل، بغض النظر عن مشاكل قلّة قليلة من المدارس الناجمة عن سوء إدارة أو من صفقات مالية مشبوهة.

من جهة أخرى، إنّ الإجتماع الذي عُقد في بكركي مؤخّرًا، والذي خُصّص لدرس موضوع القانون رقم 46، والمشاكل الماليّة التي تواجهها المدارس الخاصة، أضاء على المُشكلة مُجدّدًا من دون أن يتم التوصّل إلى أي حلول عملانية، حيث توافق المُجتمعون على المُطالبة بوضع مشروع يرمي إلى تحديد كيفيّة مُساهمة الدولة في تخفيف أعباء التعليم عن كاهل ذوي التلامذة في المدارس الخاصة، مُستندين إلى قانون صادر بتاريخ 12 تشرين الأوّل من العام 1974، بمرسوم رقم 9298!. لكن من المعروف أنّ مالية الدولة تمرّ حاليًا بعجز غير مَسبوق، إلى درجة تعالت معها التحذيرات من خطر تعرّض ​لبنان​ إلى أزمة عجز عن تسديد الديون مُشابهة لتلك التي مرّت بها اليونان في السنوات الماضية، مع الإشارة إلى أنّ نقابة مُعلّمي وأساتذة القطاع الخاص مُصرّة على نيل الدرجات الستّ أسوة بالقطاع التعليمي العام، ما يعني حُكمًا التسبب بمزيد من الأعباء الماليّة في حال التطبيق، وتوقّع المزيد من الإضرابات والخطوات التصعيديّة في حال عدم التنفيذ. وفي كل الأحوال، التلامذة هم الضحيّة، وأهالي التلامذة هم الأكثر تأثّرًا وتعرّضًا للضرر، نتيجة غياب الحُلول المنطقيّة التي أوجدتها الزيادات الكبيرة المُفاجئة لرواتب العاملين والأساتذة في ​القطاع العام​، من دون أن تأخذ في الحُسبان أحقيّة العاملين بالقطاع الخاص بالحُصول على رواتب مُوازية، الأمر الذي أوجد خللاً كبيرًا في ميزان الدخل الشخصي للعاملين في لبنان، بين القطاعين العام والخاص.

ومن بين التداعيات الخطيرة للأزمة التربويّة الحاليّة، قيام العديد من المدارس الخاصة بالتشدّد أكثر في مسألة دفع الأقساط، إضافة طبعًا إلى تضمين هذه الأخيرة زيادات ماليّة واضحة، بحجّة سداد الزيادات اللاحقة برواتب المعلّمين والأساتذة لديها، لكن مع إستثناء الدرجات الست التي تبقى عبارة عن ملفّ خلافي مفتوح ومؤجّل حسمه إلى مرحلة لاحقة، مع كل ما سينجم عنه من زيادات مالية إضافيّة أخرى على الأهالي. وقد سلّمت إدارات العديد من المدارس الخاصة أولياء التلامذة جداول تُحدّد منتصف شهر تشرين الأوّل المُقبل كموعد أقصى ونهائي لتسديد القسط الأوّل من العام الدراسي 2018–2019، ما يزيد من الضغط المالي على كاهل أولياء التلامذة.

وفي الخلاصة، إنّ أزمة المدارس والست درجات والأقساط والقطاع التعليمي ككل، ستعود إلى الواجهة مُجدّدًا بقُوّة فور إنطلاق العام الدراسي الجديد في نهاية أيلول، ومن اليوم وحتى هذا التاريخ سنشهد صراخًا وإجتماعات وإقتراحات حلول، تحضيرًا لجولة جديدة من تبادل"شدّ الحبال" بين أكثر من طرف، في ظلّ تضارب كبير لمصالح كلّ منها، وخُصوصًا في ظلّ إقفال المزيد من المدارس وطرد المزيد من المُعلمين وعجز مُتفاقم للأهالي عن الدفع!.