لا تزال العلاقة غير صحية بين ​روسيا​ والقارة الاوروبية، لاسباب عديدة منها ما هو معلن ومنها ما بقي في الخفاء. وهذا الامر انعكس على العلاقات بين الطرفين، وطاول موضوع كرة القدم حيث قاطعت ​بريطانيا​ على المستوى الرسمي الحدث الكروي المهمّ الذي تستضيفه روسيا، فيما ايّدها في قرارها عدد من الدول الاوروبية الاخرى.

ولكن، منذ يومين، وخلال مباراة ​فرنسا​ و​بلجيكا​، كان لافتاً تواجد الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​، وقبلها كانت رئيسة كرواتيا كوليندا كيتاروفيتش تحتل الموقع الاول لعناوين الصحف ووسائل الاعلام الاوروبية برقصها والتعبير عن فرحتها من على المنصة الرئيسية، بتأهّل منتخب بلادها الى الادوار المتقدمة. وبعيداً عن الواقع الرياضي الذي فرضه المونديال، الا انه يمكن القول ان خرقاً ما حصل على الصعيد الدبلوماسي بين اوروبا وروسيا، ولو انه لا يزال خجولاً ولا يمكن اعطاؤه اكبر مما يحتمل. ولعل الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ كان اكثر المتضررين من خروج منتخب المانيا باكراً من كأس العالم، لانه لا احد كان ليضمن عدم تواجد المستشارة الالمانية ​انجيلا ميركل​ في المنصة الرسمية لو سار منتخب بلادها على خطى المنتخب الكرواتي او الفرنسي، ولكان هذا المشهد اكثر تعبيراً لما تمثله ميركل من ثقل اوروبي اضافة الى فرنسا بالطبع.

على اي حال، تواجد ماكرون وكيتاروفيتش يعني ان اوروبا لا تقاطع رسمياً روسيا، وان المآخذ والمواقف الصادرة والمنددة بقرارات بوتين، لا تفسد في الود قضية، وان الامور قابلة للتفاوض والاخذ والرد، ولعل هذا التواجد الفرنسي يكون الخطوة الاولى على هذا الدرب. وقد تكون الامور من باب المصادفة ان ما حصل يأتي قبل ايام قليلة على موعد القمة المرتقبة بين بوتين ونظيره الاميركي ​دونالد ترامب​ في 16 من الشهر الحالي، مع كل ما يترقبه العالم من نتائج ومفاعيل لهذه القمة. فمن وجهة نظر روسية، فإن التواجد الرسمي الاوروبي هو تراجع عن اي كلام عن مقاطعة وفراق، وانه يحفّز على تشجيع القيام بخطوات اكثر عملية من اجل اعادة التقارب بين موسكو والاتحاد الاوروبي. ومن وجهة النظر الاوروبية، فإن هذه الخطوة قد تشكل رسالة بأن اوروبا منفتحة على التفاوض مع موسكو على مواضيع خلافية يمكن للطرفين، في حال حلها، الاستفادة من نتائجها الايجابية، فتستفيد اوروبا من علاقات روسيا ونفطها وتواجدها الفاعل في الشرق الاوسط، فيما تستفيد موسكو من الانفتاح الاوروبي عليها اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً وتقوّي موقفها قبل ايام قليلة على اللقاء مع ترامب. قد يأخذ البعض على هذا الانفتاح الاوروبي ان ماكرون لم يكن في حضرة اي مسؤول رسمي روسي في المقصورة، على عكس ما حصل مع نظيرته الكرواتية التي اظهرتها الصور مع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفديف، وانه غادر فور انتهاء المباراة دون اي لقاء رسمي مع المسؤولين الروس. ولكن، رغم ذلك فإن مجرد الحضور يحمل دلالات كبيرة بالنسبة الى مكانة ماكرون في اوروبا.

وعليه، يكون المونديال قد حقق في التقارب الروسي-الاوروبي ما لم يستطع تحقيقه لجهة التقارب الاسرائيلي-الفلسطيني بعد ان ذكرت التقارير الاعلامية ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ والرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​ لن يلبيا دعوة بوتين لحضور المباراة النهائية، وسيتواجد كل منهما في مباراتين مختلفتين. فهل ستحلّ كرة القدم ما عجزت عن حلّه السياسة والمفاوضات المباشرة، ام انها ستكون مجرّد علبة بريد لنقل الرسائل على الصعيدين الاقليمي والدولي؟ كل الامور تبقى رهن ما يمكن ان تحمله قمة بوتين-ترامب بعد ايام قليلة، ومعرفة الموقف الاوروبي منها.