منذ اليوم الأول لتكليفه بتشكيل الحكومة، عمد ​سعد الحريري​ إلى ضخ الكثير من الأجواء الإيجابية في البلاد، لكن مع بروز العقد المتنوعة، أمام مهمته، بدأ يحصر مشاوراته بدائرة محددة من المسؤولين، قبل أن يصعد، في كل مرة، إلى قصر بعبدا لإطلاع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ على النتائج التي توصل إليها، وهي تتمثل برئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​ ورئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ بشكل أساسي، وفي بعض الأحيان يزور رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، في عين التينة، الذي يحذّر بشكل شبه يومي من خطورة إستمرار الوضع على ما هو عليه، بعد أن خرجت أصوات من تيار "المستقبل" تنتقد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​.

بين جولة المشاورات والأخرى، يقرر رئيس الحكومة المكلف مغادرة البلاد إلى الخارج، من دون أن ينجح، حتى الآن، في الوصول إلى النتيجة المرجوة من مشاوراته. وبعد أن كان زواره، جعجع وجنبلاط تحديداً، يخرجان من عنده للإعلان عن التهدئة الإعلامية مع "​التيار الوطني الحر​"، بدا لافتا أن المستهدف بالهجوم هو باسيل مؤخراً، مع العلم أن الحريري يتضامن مع رئيسي "الإشتراكي" و"القوات" فيما يطالبان به وزارياً، بناء على ما يُحكى عن طلب سعودي على هذا الصعيد.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بات واضحاً أن الدائرة التي يعمل بها رئيس الحكومة المكلف لن تقود إلى تشكيل الحكومة، خصوصاً أن "الحزب التقدمي الإشتراكي" لا يزال مصراً بالحصول على كامل التمثيل الدرزي، والأمر نفسه ينطبق على ما يطالب به حزب "القوات اللبنانية" بالنسبة إلى التمثيل على الساحة المسيحية، وترى أن من الضروري الخروج منها من أجل البحث عن الحلول الممكنة، إلا أنها تلفت أن الحريري، على ما يبدو، غير مستعجل في إنجاز مهمته، ما يرجح فرضية العقدة الخارجية التي تحول دون التأليف.

من وجهة نظر هذه المصادر، ما يجمع ما يمكن وصفه، بناء على ما حصل أول من أمس، بجبهة "بيت الوسط"، هو الحاضنة الإقليمية السعودية، وبالتالي كل الأمور متوقفة على ما تريده الرياض في هذه المرحلة، لا سيما أن كل الأجواء السياسية والإقتصادية والإجتماعية تُربط بالتوازن الذي ستكون عليه الحكومة المقبلة، حيث الحديث عن أن المملكة لن تقبل بتشكيل حكومة تعكس نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، وتفضل بقاء الوضع على ما هو عليه في حال لم يرضخ الفريق المقابل، في ظل غياب ما يُجبر رئيس الحكومة المكلف على الإعتذار، وبالتالي المعادلة واضحة: مقابل القوّة التي لدى رئيس الجمهورية في التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة، هناك قوة لدى رئيس الحكومة المكلف تكمن في قدرته على البقاء في موقعه إلى ما لا نهاية.

إنطلاقاً من هذا الواقع، يأتي الحديث، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، عن إنتظار القمّة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، وكذلك الأمر تعميم أجواء عن أن المخرج الوحيد للأزمة الإقتصادية هو بالقروض التي أقرت في مؤتمر سيدر، التي أعلن أنها مشروطة بإصلاحات على مستوى الإدارة، لكن هذا الأمر يرتبط أيضاً بتوازنات على المستوى السياسي، أي أن الدول الداعمة لن ترسل أموالها إلى حكومة "يسيطر" عليها "​حزب الله​"، وتضيف: "كما أنه لا يمكن تجاهل ما بات يُعرف بصفقة القرن".

بناء على ذلك، يمكن القول أن دائرة العقد الحكومية لا تخرج من جبهة "بيت الوسط"، سواء كانت المسيحيّة أو الدرزيّة أو السنيّة، مقابل أخرى ركنها الأساسي "التيار الوطني الحر"، الذي يرفض التراجع عما يطرحه من مطالب، من دون أن تظهر ملامح أي تسوية ممكنة بين الجانبين.