سلكت رسالة الإحتجاج التي وجّهها وزير الخارجية ​اليمن​ي ​خالد اليماني​ إلى وزير الخارجية والمُغتربين في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ بشأن ما وصفه بتدخلات "​حزب الله​" في اليمن(1)، طريقها القانوني الرسمي، حيث سلّم سفير اليمن لدى بيروت عبد الله الدعيس مديرة المراسم في وزارة الخارجيّة اللبنانية رحاب أبو زين، رسالة مكتوبة بهذا الشأن. فما هي التوقّعات بشأن هذه القضيّة؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ اليمن يعاني من حرب أهليّة قاسية منذ سنوات، وتتهم الحكومة اليمنيّة التي تحظى بإعتراف العدد الأكبر من دول العالم والمدعومة من ​السعودية​ بشكل خاص، ميليشيات "أنصار الله" بتنفيذ إنقلاب على السلطة الشرعيّة اليمنيّة، كان بدأ في 21 أيلول 2014 ولا يزال مُستمرًّا حتى اليوم، بدعم مُباشر من إيران التي تمد الحوثيّين بالمال والسلاح وبالمدرّبين والخبراء العسكريّين، بحسب الإتهامات اليمنيّة. والحديث اليمني عن تدخّل "حزب الله" اللبناني في الحرب اليمنيّة ليس بجديد، لكنّها المرّة الأولى التي يتمّ فيها توجيه رسالة تطلب من لبنان الرسمي التحرّك لوقف هذا التدخّل الذي يناقض سياسة الحياد والنأي بالنفس عن القضايا الشائكة في المنطقة. وحتى كتابة هذا المقال، لم يصدر أي تعليق رسمي عن وزارة الخارجيّة اللبنانيّة بشأن هذا الموضوع، علمًا أنّ بعض وسائل الإعلام كان نقل عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية بأنّه عندما تصل الرسالة بالطرق الرسميّة يُبنى على الشيء مُقتضاه. وفي المعلومات، أنّ الوزير باسيل لن يعمد إلى إصدار أي ردّ رسمي علني على رسالة الإحتجاج، لأنّه لا يريد إدخال لبنان في أي جدل يُضرّ بعلاقاته الإقليميّة والدَولية، وهو سيعمد إلى مُعالجة الموضوع بالطرق الدبلوماسية المرعيّة الإجراء، بعيدًا عن الإثارة الإعلاميّة.

من جهة أخرى، كان لافتًا تقيّد مُختلف القوى السياسيّة اللبنانية بعدم التعليق على رسالة الإحتجاج اليمنيّة وعلى الإتهامات التي تضمّنتها ضُد "حزب الله"، في إطار سياسة التهدئة الإعلامية المُتبعة منذ بضعة أشهر مع "الحزب"، خاصة وأنّ أغلبيّة الأطراف السياسيّة الأساسيّة مُنشغلة حاليًا بعمليّة "شد الحبال" القائمة بشأن تشكيل الحُكومة وتتجنّب الدُخول في أي سجالات غير تلك الخاصة بالموضوع الحُكومي. وباستثناء بعض المواقف الخجولة من شخصيّات سياسيّة معروفة بموقفها المُناهض للحزب، لم يخرج إلى العلن أي تعليق وازن مُواكب للإتهامات اليمنيّة، ولا أي تعليق من رئيس الحُكومة المُكلف ​سعد الحريري​ الذي كان رفع عاليًا شعار "النأي بالنفس" عن القضايا الإقليميّة والعربيّة الخلافية.

في غضون ذلك، حرصت السُلطة الشرعيّة في اليمن على توثيق رسالة الإحتجاج التي أرسلتها إلى لبنان، في أروقة مجلس الأمن الدَولي، حيث تمّ تسليمها بشكل رسمي لكل أعضاء المجلس، مع إحتفاظ اليمن بحق طلب تدخّل مجلس الأمن لمُعالجة هذا الأمر، علمًا أنّ رسالة الإحتجاج التي أرسلها وزير الخارجيّة اليمني حملت تلويحًا بتدويل المُشكلة، حيث جاء في جزء منها: "إننا في الجمهوريّة اليمنيّة نحتفظ بحقّنا في عرض المسألة على مجلس جامعة الدول العربيّة ومنظّمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن الدَولي"... وفي هذه الحال، قد يتعرّض لبنان لبعض الضُغوط والحملات السياسيّة والإعلاميّة الخارجيّة، لكن من غير المُتوقّع أن يكون هناك أي تحرّك جدّي ضُد لبنان كدولة، أو ضُد "حزب الله"، باستثناء ما هو ممارس حاليًا من ضُغوط إقتصادية ومالية، وما هو مُطبّق من تموضعات سياسيّة.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ الصراع في المنطقة لا يزال مفتوحًا على مصراعيه، ولبنان سيبقى معنيًا بارتدادات وبانعكاسات هذا الصراع، نتيجة إمتدادات قواه السياسيّة الإقليميّة، وبفعل إنقسام الرأي اللبناني الرسمي إزاء الخلافات الإقليميّة. ولا شكّ أنّ "حزب الله" هو موضع إتهامات مُتعددة، من جانب القيادة اليمنيّة الرسميّة وغيرها، نتيجة إنفلاش دوره الإقليمي وتعاظم قُدراته السياسية والعسكريّة. والمرحلة المُقبلة ستحمل بالتأكيد ضُغوطًا أميركيّة كبيرة على إيران، وتلقائيًا ضُغوطًا مُتعاظمة على "حزب الله" من جانب واشنطن والدول والقوى الحليفة لها في المنطقة، لكن من دون توقّع أي تأثير عملانيّ كبير لهذه الضُغوط.

(1) جاء في الرسالة: "لقد ظهر دعم حزب الله لميليشيا الحوثي جليًا في الكلمة المُتلفزة التي ألقاها أمين عام حزب الله ​حسن نصر الله​ بتاريخ 29 / 6 / 2018 والتي حرّض خلالها على قتال القوات الحُكوميّة اليمنيّة وعبّر فيها عن طموحه ومُسلّحي حزبه للقتال في اليمن لصالح الميليشيا ومُساندتها ضُدّ السلطة الشرعيّة المُعترف بها دَوليًا(...).