لا تزال علاقة الله بالبشرية تحيّر الجميع، فهو اختصر المحبة بذاته الالهية، ولكنه لم يحصرها به بل اصرّ على مشاركتنا فيها، حتى انه بذل ابنه الوحيد ​يسوع المسيح​ من اجلنا. هذه الحقيقة قد تبدو بسيطة وعاديّة، لكنها تحمل معانٍ لا تزال حاضرة منذ اكثر من 2000 سنة، وقليلون هم الذين تمعّنوا بها وساروا بِهَديِها ومنهم قديس ​لبنان​ ​شربل مخلوف​.

لا يحتاج ​القديس شربل​ الى من يعرّف عنه، فأعاجيبه التي يجترحها بواسطة المسيح هي التي تخبر عن مدى تعلّقه بالله حتى "الذوبان"، واللافت انها غير محصورة بزمان ومكان وطائفة، فالله لا يفرّق بين ابنائه لان الخلاص للجميع دون استثناء، وما علينا سوى التحلّي بالايمان والسير بهدي المحبة الوصية التي حملها المسيح الى البشر.

شفاء الطفل ياسين

من "مجلّدات" الاعاجيب المسجّلة في دير مار مارون-​عنايا​، ضريح القديس شربل، قصة أم تدعى شذى جبر وهي امرأة مسلمة من المذهب الشيعي، متزوجة من نضال جبر المسلم السنّي. تسأل شذى: لماذا حصلت معنا أعجوبة شفاء إبننا عبر القديس شربل ونحن لا نعرف من هو أصلاً؟ فما الذي حصل معها؟.

تعود شذى بالذاكرة الى 24 سنة مضت، حين تدخّل ​مار شربل​ في حياة ابنها ياسين الذي تروي انه ولد برجلين ملتويتين، وانه "بعد استشارة الطبيب أكد أنه يعاني من مشكلة في الأوتار ويحتاج الى ثماني جراحات كعلاج. انما بعد إجراء الجراحة الثانية، رأيت في حلمي أنني احمل طفلي المريض وأسير مع قريب لي إسمه الياس على طريق، وقد التقينا برجل يرتدي الأسود لحيته بيضاء طويلة وينظر دائما الى الارض"، لافتةً الى أن "هذا الرجل دعاني وقريبي للسير معه الى منزله ففعلنا، ثم طلب مني هناك أن أضع طفلي على السرير وأكد لي أنه شفي"، مضيفة: "في اليوم التالي توجهنا الى الطبيب وبعد أن عاين الطفل، أكد الشفاء وانه غير قادر على شرح ما حصل. وهكذا مرّت السنين وظلّ الحلم محفوراً في رأسي ولم أعرف من هو هذا الرجل الذي يرتدي الأسود الا عندما رأيت صورة القديس شربل، عندها أدركت أنه من شفى ابني ياسين. وحين توجهت الى دير مار مارون-عنايا لتسجيل الأعجوبة وشكره، تأكدت أكثر من هويته خصوصا عندما زرت المحبسة لأنها كانت المكان الذي أخذنا اليه الراهب الذي يرتدي الأسود في الحلم على أساس أنه منزله".

الاب الحبيس الخوند يشرح

لماذا يختارنا الله ليجترح معنا المعجزات بواسطة قديسه؟، وما سرّ العلاقة القويّة التي ربطت "شربل" بالله حتى حمّله الرسائل الى الأرض؟!.

للاجابة على هذا السؤال، كان لا بد من التوجه الى حبيس آخر فضّل السير على طريق المسيح وقديسيه، إنه الحبيس الاب يوحنا الخوند الذي يستحق لقاءه تكبّد مشقّة "السفر" ساعتين بالسيّارة الى دير مار انطونيوس قزحيا-شمال لبنان، سعياً للغرف من روحانيته التي اكتسبها بالصلاة والتأمل. يرى الاب الخوند أن الامور واضحة لكن الإنسان يرفض أن يراها، ويقول: "المهمّ بالأعجوبة أنها رسالة وحبّ، هي علامة من الله الذي يتنازل للعيش مع الأشخاص ويقوم بالأعجوبة ليؤكد لنا أنه يرافقنا في دروب الحياة، فلماذا لا نرافقه"؟، ويسأل "ماذا ينتظر العالم حتى يؤمن بالله"؟.

لا يجد الأب الحبيس يوحنا الخوند أجوبة على كلّ ما يحصل مع البشر نتيجة "أعاجيب" القديس شربل سوى أن الربّ يكرّم من كرّموه، والواضح، بحسب ما يشير، ان "تكريس القديس شربل حياته لله بالرهبنة وبالكهنوت وبالاستحباس الصارم، ساهم في تمييزه عن باقي البشر ويشكّل حافزاً لنا جميعاً للتمثّل بشربل لنصل الى ما وصل اليه". ويختم بالقول: "القضيّة واضحة. الله يعطينا علامات ليقول لنا، احبوا بعضكم بعضاً إغفروا لبعضكم وسيروا الدرب كأخوة". ويضيف: "شربل يجترح المعجزات مع الناس لسبب معيّن وهو ان يقرّبنا من الله، ولكن يفترض بالبشرية جمعاء أن تستجيب لهذه الأعاجيب التي نشهدها، وهو ما لم يحصل بعد".

وصلت علاقة شربل مخلوف بالله الى حدّ "الذوبان" به، فمنعته ذات يوم من أن يشعر بالحريق الذي شبّ على المذبح عندما كان يجثو أمام القربان المقدس إثر "صاعقة" ضربت المحبسة، حتى وصلت النيران لتلتهم طرف ثوبه دون أن يشعر لأنّه كان "سكراناً بالله"، فتدخل راهب آخر لمنع النار من الامتداد الى جسم القديس. هذه العلاقة المميزة بين "حبيس عنايا" والربّ دفعته أن يصطفيه قديساً على مذابح العالم وفي قلوب الناس وشفيعاً لهم في السماء، ليبقى السؤال: "ماذا ينتظر البشر حتى يسيروا على طريق الربّ كما سار "شربل"؟!.