كما هبّت رياح التشاؤم قبل اسابيع وابعدت سفينة ​تشكيل الحكومة​ عن شاطىء التأليف، هكذا وبشكل فجائي، هبّت رياح التفاؤل قبل ايام قليلة وجعلت السفينة نفسها تقترب من الشاطىء. بين ريح التشاؤم وريح التفاؤل، اكثر من رابط ولكن الكلام في الوسط السياسي الاعلامي يدور حول المونديال، واعتماده مرجعاً لتحديد موعد التأليف، فصار يقال إن المونديال قطع الطريق على ابصار الحكومة العتيدة النور، قبل ان يعود الحديث في الصالونات عن ان الحكومة باتت على بعد ايام قليلة فقط، بعد ان تم اسدال الستار على فاعليات كأس العالم في روسيا.

ما علاقة لبنان بالمونديال؟ لا احد يعلم، وربما كانت هي العلاقة نفسها التي تربط ايطاليا بالبرازيل (عبارة اشتهر بها قديماً احد ممثلي برنامج "صح النوم" التلفزيوني). قد يمكن ان يرتبط الامر بتواجد رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ في روسيا لمشاهدة المباراة النهائية، فيما كان سبقه وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال ​جبران باسيل​ الى هناك لتشجيع المنتخب الذي يحبه، علماً انه لم يكن من الممكن للحريري ان يشجع المنتخب الذي يفضله لأن المنتخب البرازيلي لم يكن طرفاً في المباراة النهائية!.

واذا اغفلنا هذه النقطة، فإن الرابط بين المونديال وتشكيل الحكومة، قد ينتقل الى نقطة اخرى، وهي تعدد الاطراف المتنافسة للوصول الى الهدف الواحد، ولكن رغم ذلك، قد لا تصح المقاربة، لانه في نهاية المطاف، بقي في كأس العالم منتخبان فقط تنافسا ليفوز احدهما باللقب، فيما لا نزال في لبنان نشهد منافسات حامية بين كل الاطراف من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية.

يفسّر البعض جرعة التفاؤل الاخيرة، بأنها كانت حصيلة التحركات التي شهدتها الساحة المسيحيّة للتقريب بين "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​"، وبالتالي حل العقدة المسيحية التي كانت تشكل عائقاً امام التأليف. انما على خط مواز، كانت العقدة الدرزية بعيدة عن اي تحرك لتقريب وجهات النظر، لا بل حضر "ابن المقفع" و"سيبويه" في السجالات التي دارت بين المؤيدين للحزب الاشتراكي من جهة وللحزب الديمقراطي من جهة ثانية. واذا صحت التوقعات وتم حل العقدة المسيحية، فكيف سيتم حل العقدة الدرزية؟ في كل الاحوال، من المعلوم ان العقبات ستذلّل عاجلاً ام آجلاً، ولكن الوقت يبقى هو الاساس والمعيار في كل ما سبق، وهل يكون الانتظار أبعد من المونديال وما يحكى، وينتظر ترجمة ما ستستفر عنه قمة هلسنكي بين الرئيسين الاميركي ​دونالد ترامب​ والروسي ​فلاديمير بوتين​؟ وهل هناك من دور خفي لمعالجة المسألة السورية بين الرجلين وما يقال من بذل موسكو الجهود لتحجيم الدور الايراني هناك، مقابل حلحلة الامور في المنطقة وارضاء ​اسرائيل​، وربما تمهيد الطريق امام "صفقة القرن" التي لم توافق عليها روسيا بعد؟.

كلها امور وتحليلات قابلة للتصديق، ولكن المؤشر العام هذا الاسبوع يميل الى التفاؤل في الموضوع الحكومي، وهذا يعني ان تشكيل الحكومة سيعني دون اي شك الاتفاق على عناوين رئيسية لعملها، اقله في المدى المنظور، لان هناك الكثير من الامور على المحك، اهمها انطلاقة العهد التي بدأت تشهد اهتزازات تهدّد السنوات الباقية من عمره، اضافة الى مصداقيّة المسؤولين الرسميين الذين يطمحون الى مستقبل سياسي باهر في السنوات المقبلة، وعليهم ان يبنوا اسس هذا المستقبل منذ الآن.

هل تخرج الحكومة من قبّعة المونديال هذا الاسبوع؟ ربما، انما الانظار ستتجه في الداخل والخارج الى ما ستقوم به هذه الحكومة عند تشكيلها، من اجل انعاش لبنان على اكثر من صعيد، وبالمقام الاول على الصعيد الاقتصادي والمالي، كي لا يلاقي مؤتمر "سيدر" مصير مؤتمرات "باريس" الاقتصادية.