صحيح أن كل الجهود تنصب في الأسبوعين الماضيين على محاولة احتواء انفجار الخلاف العوني–القواتي الذي أثّر بشكل دراماتيكي على عملية ​تشكيل الحكومة​، الا أن من يصر على تصوير الأزمة الحكومية، والتي بات يصح تسميتها أزمة بعد دخول دول خارجية على خطّها، على أنها محصورة بـ"العقدة المسيحيّة"، يحاول طمس حقيقة يُدركها المعنيون بعملية التشكيل، مفادها أن العقدة الأبرز التي تجعل التأليف دون أفق، هو هذا الصراع المسيحي–السني على الصلاحيّات والمستمر منذ سنوات. وقد نجح رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ كما رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ الى حد بعيد باستيعاب هذا الصراع وتحجيمه منذ التسوية، التي ساهمت بوصول عون الى سدّة الرئاسة مقابل اغلاق العونيين دفاتر الماضي وكتبه وأبرزها "الابراء المستحيل". لكن وكما ينفجر خلاف "​التيار الوطني الحر​" مع حركة "أمل" عند كل منعطف، فكذلك يتجدد الكباش بين العونيين والمستقبليين عند كل استحقاق على موضوع الصلاحيّات، في ظل اصرار "التيار" على استعادة صلاحيات أخذها ​اتفاق الطائف​ من المسيحيين وأعطاها للسنّة. اليوم يحاول الرئيس عون أن يكون شريكا أساسيا في عملية التشكيل، هو يرفض تماما أن يكون مجرد شريك بالتوقيع على المرسوم، فيحاول فرض شروطه من خلال الدعوة لتوحيد المعايير واعتماد نتائج الانتخابات أساسا لرسم الخارطة الحكومية، وهو ما لا يحبّذه الحريري على الاطلاق، الخاسر الأكبر من استحقاق السادس من أيار.

ولا تعكس الصورة الجميلة التي تنقلها الكاميرات للقاءات الحريري–عون كما الأجواء "الورديّة" التي تظهر وتختفي بمعظم الوقت حقيقة ما يحصل خلف الكواليس. فعون يحمل أوراق حلفائه ويدافع عن مطالبهم وأبرزهم ​حزب الله​ والنائب ​طلال ارسلان​ وطبعا "التيار الوطني الحر"، فيما الحريري يتبنى مواقف حليفيه "​القوات اللبنانية​" والحزب "التقدمي الاشتراكي" ويفاوض باسمهما، ما يجعل الثنائي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف وجها لوجه في حلبة صراع لا يبدو أن أيًّا منهما بصدد الخروج منها قريبا منكسرا للآخر.

وتتحدث مصادر الثنائي الشيعي عن "طبقات" من العقد تؤخر تشكيل الحكومة، لافتة الى أن الطبقة الاولى والأكثر تعقيدا تتمثل بشد الحبال المسيحي–المسيحي والذي لا يبدو أنه سيُحسم خلال الايام او حتى الاسابيع القليلة المقبلة، خاصة في ظل الدعم الخارجي سواء العربي أو الغربي الذي يتلقاه رئيس "القوات" ​سمير جعجع​ للتمسك بمطالبه وشروطه. وتشير المصادر الى ان "العقد الأخرى تظهر تباعا، سواء العقدة الدرزية التي لا تزال تراوح مكانها رغم كل ما يُحكى عن اتفاق على اعطاء رئيس "التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​ كامل الحصة الوزاريّة الدرزيّة، وهو ما لا يمكن ان يقبل به حزب الله أو رئيس الجمهورية لاعتبارات عديدة، أبرزها أن مصير الحكومة سيكون بذلك بين يديه من منطلق انه اذا سحب وزراءه يعرض الحكومة للانهيار لغياب المكون الدرزي وفقًا لمعزوفة "الميثاقيّة"". وتضيف المصادر:"كما أن العقدة السنية لا تزال إحدى ابرز العقد التي تؤخر عمليّة التشكيل لا سيّما وان الحريري يتصرف وكأن الموضوع بات محسوما وأن الحصة السنية كاملة له، وهو ما لا يمكن أن نرضى به على الاطلاق، لأن اعتماد القواعد التي على اساسها تشكلت الحكومة الماضية لا يصحّ بعد انتخابات 2018 التي أظهرت ان نسبة لا بأس بها من السنّة لا يؤيّدون تيار "المستقبل" ومن حقهم أن يتمثلوا في الحكومة الجديدة". وتكشف المصادر أن "حزب الله أبلغ المعنيين بشكل واضح أن اعطاء 5 وزراء مسيحيين لـ"القوات" سيغيّر كل المعادلات القائمة لأن ذلك سيعني أن أي كتلة نيابية من 3 نواب يتوجّب أن تتمثل بوزير في الحكومة، وما ينطبق عندها على القوّات سينطبق على الجميع دون استثناء".

بالمحصّلة، يبدو أن الجوّ "التفاؤلي" الذي حاول كل من الحريري ورئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ اشاعته قبل نهاية الاسبوع الماضي، يشبه الى حد بعيد ذلك الجو الذي سبق عيد الفطر حين ظن اللبنانيون أنهم سينامون ليصحوا على تشكيلة حكومية متفق عليها وجاهزة لتحكم حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، فاذا بهم يصحون على واقع أن أيًّا من الفرقاء غير جاهز لتقديم ولو تنازل بسيط، فكيف بعد دخول عوامل خارجية على الخط باتت تؤجّج الخلافات وتشجع اللبنانيين بعضهم على بعض.