اختلف "​الجنوب​يون" و"​البقاع​يون" سابقا على "الأكلات الأطيب"، فضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بـ"الكشك" و"المكدوس" و"المجدّرة". اليوم حوّل النائب اللواء ​جميل السيد​ الخلاف نحو مكان آخر، أقلّه حاول نقله، الى الملف الإنمائي، مطلقا سهام تغريداته باتجاه ​حركة أمل​ التي سماها "شيعة الدولة"، متهّما إياها بتنمية الجنوب وإهمال البقاع.

أشعل السيد حربا مفترضة بين الجنوبيين والبقاعيين بعد ان قال: "​الشيعة​ في السياسة​ جناحان شيعة الدولة برئاسة رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّي وشيعة ​المقاومة​ بقيادة ​السيد ​حسن نصرالله​، شيعة المقاومة قاموا بواجبهم كاملاً ضد العدو جنوباً، وضد ​الإرهاب​ بقاعاً وشيعة الدولة أعطوا ​الجنوب​ كثيراً، ولم يُعْطَ ​ما يستحقّه البقاع اليوم ​قنبلة​ موقوتة، لا تخسروه".

لم يدخل السيّد كتلة "الوفاء للمقاومة" لكي يتمكن من قول ما جاء لقوله، ولا يخفى على أحد علاقته المتوترة والسيّئة بحركة أمل منذ عام 2004 عندما لعب دورا محوريًّا في إخراجها من البقاع عبر بوابة ​الانتخابات البلدية​ والاختيارية، الامر الذي أبقاها غائبة عن البلديات حتى اليوم، بعد الاتفاق الشهير بين الحزب والحركة على إبقاء التقسيم البلدي بينهما كما انتهت اليه الانتخابات عام 2004.

قيل يومها أن اللواء السيد أراد "الزعامة" الشيعيّة. وعده السوريّون بمنصب رئاسة مجلس النواب في انتخابات عام 2005، ولكن تغيّر ظروف البلد بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق ​رفيق الحريري​ قلبت الأمور رأسا على عقب، ودخل السجن ظلما بسبب ملفّ الاغتيال. اليوم عاد نائبا على متن لائحة تحالف ​حزب الله​ وحركة أمل في دائرة ​بعلبك الهرمل​، مستفيدا من دعم شعبي قوامه الأساسي "كل من هو من الحزب والحركة وغير راض على نوابهما"، وجمهور ​حزب البعث​ وكل من هو على علاقة وطيدة ب​سوريا​. عاد طامحا لتحقيق الحلم القديم. "حلم الزعامة".

يُعرف عن اللواء السيد جرأته في تصريحاته، وهذا أمر محبّب للمتابع اللبناني، ولكن هناك شعرة رفيعة بين الجرأة في عرض الأمور، والهجوم المباشر والمتكرر، الامر الذي يجعل السؤال عن سبب الهجوم متاحا.

يرفض مسؤول في حركة أمل الاستفاضة بالحديث عن هذا الموضوع، مكتفيا بالقول عبر "​النشرة​": "في فمنا ماء". من جهتها تكشف مصادر نيابية أن حركة أمل قررت سابقا عدم الرد على اتهامات السيّد، الأمر الذي جعله يصعّد في هجومه أكثر، مشيرة الى أن قرار الحركة كان دائما عدم التعاطي مع الحالات المشابهة بالمثل. وتضيف المصادر: "نعم قد يغيب عن بال البعض أن الحركة هي في صلب المقاومة وليست منفصلة عنها، يعلم حزب الله ذلك، ويعلم النائب السيد ذلك أيضا، كما يغيب عن بالهم أن وظائف الدولة ليست مرتبطة بالحركة فقط كما يحاول البعض القول، فالحزب ليس منفصلا عن الدولة ووظائفها". وتضيف المصادر عبر "النشرة": "لا تريد حركة أمل الدخول في مهاترات كلامية لا تؤدي الى مكان سوى الفتنة الداخلية السياسية والمناطقية، وهي تعلم أن كلام السيد لا يحظى بموافقة حزب الله، وبالتالي لا ينبغي أن يتحوّل قوله الى حرب كلامية ولو كانت افتراضية".

وفي سياق متصل تؤكد المصادر على حق البقاع بالتنمية والخدمات، وتسأل: "من الذي يتحمل مسؤولية الإهمال، ولماذا فرّق السيد بين حقبتين زمنيتين أساسيتين، قبل عام 2005 وبعده، ولماذا لم يتطرق الى ما قبل عام 2005 يوم كان حاكما بأمر السوريين "وكان ضمن فئة شيعة الدولة حسب تقسيمه هو"، ولماذا لم تصل حقوق البقاعيين يومها اليهم، مع العلم أن البقاع كانت منطقة خاضعة بشكل كامل للفريق السوري الحاكم"؟، مشيرة الى أن السيد أخطأ عندما وجّه سهامه الى حركة أمل بسبب إهمال منطقة لها فيها نائبا واحدا، منذ سنوات حتى اليوم.

ترفض مصادر حزب الله التعليق على كلام السيد، على اعتبار أنه يمثل نفسه ولا يمثل الحزب، وهنا علمت "النشرة" أن قيادة الحزب غير راضية على ما صدر عنه كونه لا يقدم للبقاع شيئا ويؤذي المجتمع الشيعي، ويهدم ما بناه مسؤولو أمل والحزب على مدى سنوات. هذا الأمر تأكد من خلال التعميم الداخلي الذي أصدره "سيميا" وهو إسم الفريق الذي يهتمّ بشؤون الناشطين الذين يدورون بفلك حزب الله ونشرته "النشرة" امس.

يعاني البقاع من الإهمال منذ عقود، ويكفي أن نقول أن الدولة بأكملها وبكامل أجهزتها تتحمل مسؤولية هذا الإهمال، وعلينا أن نبحث عن الحلول لا أن نرمي الاتهامات.