صحيح أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ أعلن اخيرًا أنّه متفائل، وأنّ التواصل مفتوح مع الجميع، متوقّعًا ولادة الحُكومة خلال أسبوع أو أسبوعين، لكنّ الأصحّ أنّ حلّ "العقد" التي صارت معروفة، لم يصل إلى نتيجة بعد، على الرغم من المُحاولات الحثيثة لتدوير الزوايا. فما هي آخر المعلومات بشأن مساعي تشكيل حُكومة العهد الثانية؟.

أوّلاً: بالنسبة إلى مسألة تمثيل حزب "القوّات اللبنانيّة"، لقد بات واضحًا أنّ الحد الأدنى الذي ترضى به "القوات" يتمثّل بالحُصول على أربعة وزراء، مع الإقرار في الوقت عينه بعدم الحُصول على منصب نائب رئيس الحُكومة، ولا على حقيبة سياديّة. في المُقابل، لا يزال "التيّار" يُصرّ على أن تكون حصّة "القوات" ثلاثة وزراء، لأنّه يُطالب بضعف عدد وزرائها، بحيث يشترط نيل ستة وزراء إذا نالت "القوات" ثلاثة، وبأن يحظى "التيار" بثمانية وزراء إذا نالت "القوات" أربعة. والعمل جار على إقناع "التيّار" بأن ينال مع رئيس الجُمهورية العماد ​ميشال عون​، ما مجموعه عشرة وزراء كحدّ أقصى، أي أقلّ من "الثلث الضامن أو المعطّل" بوزير واحد. ومن بين هؤلاء الوزراء العشرة وزير غير مسيحي سيتبادله رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري. وبالتالي تتوزّع في هذه الحال الحصّة المسيحيّة في الحُكومة على كل من "التيار"-الرئيس (9 وزراء بينهم وزير لحزب "الطاشناق")، و"القوات" (4 وزراء)، و"تيّار ​المردة​" (وزير واحد)، و"المُستقبل" (وزير واحد)، بمجموع 15 وزيرًا هي الحصة المسيحيّة من مُختلف المذاهب في حكومة من ثلاثين وزيرًا.

ثانيًا: بالنسبة إلى مسألة تمثيل "​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، لا يزال "الإشتراكي" مُصرًّا حتى الساعة بأن يحظى بالوزراء الدُروز الثلاثة ضمن حُكومة ثلاثينيّة إنطلاقًا من واقع تغريد 7 من أصل 8 نوّاب دُروز في ​البرلمان اللبناني​ تحت جناحيه، علمًا أنّ رفض هذا الأمر مُتعدد الجوانب، حيث يُصرّ "التيّار" على حقّ كتلة "ضمان الجبل" التي تضمّ أربعة نوّاب أن تتمثّل في الحُكومة لكسر أحادية التمثيل وحرصًا على التنوّع في "الشوف-عاليه"، ويُصرّ رئيس "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" وزير الدولة لشؤون المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال ​طلال أرسلان​ من جهته على أن يتمثّل شخصيًا أو من يسمّيه في الحُكومة المقبلة، حرصًا على التنوّع داخل الطائفة الدرزيّة وإقتناعًا منه بهذا الحق الذي أفرزته نتائج الإنتخابات. وباتت الخشية من تسليم الحزب "الإشتراكي" ميثاقيّة التمثيل الدُرزي في الحُكومة المقبلة، سببًا إضافيًا للإعتراض على منحه ثلاثة وزراء حزبيّين، من أكثر من جهة. والعمل قائم على إقناع "الإشتراكي" بأن يُعيّن وزيرين حزبيّين، على أن يتمّ الإتفاق على إسم ثالث يحظى بتوافق واسع في الساحة الدُرزيّة، لكنّ هذا الطرح لا يزال مرفوضًا من مُختلف الأطراف المعنيّة، أقلّه حتى الساعة.

ثالثًا: بالنسبة إلى مسألة تمثيل النوّاب السنّة من خارج "تيّار المُستقبل"، صار ثابتًا أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف يرفض التنازل عن أكثر من مقعد سنّي واحد من أصل ستة هم حصّة الطائفة في أي حكومة ثلاثينيّة، ما يعني إصراره على نيل أربعة وزراء إضافة إلى منصب رئيس الوزراء بطبيعة الحال، على أن يتم التنازل عن وزير سنّي واحد لصالح حصّة رئيس الجُمهوريّة في مُقابل نيل وزير مسيحي من حصّة الرئيس، لتكون بذلك حصّة "تيّار المُستقبل" في الحُكومة ستة وزراء (من بينهم رئيس ​مجلس الوزراء​)، وهو الحد الأدنى الذي يقبل به. وبعد أن كانت بعض الإقتراحات تدعو إلى أن يختار رئيس الجمُهورية شخصيّة سنّية تكون محسوبة على النوّاب السنّة الذين فازوا من خارج عباءة "تيّار المُستقبل"، تراجعت فرص هذا الإقتراح نتيجة إصرار هؤلاء النوّاب وبعض القوى الحزبيّة التي تدعمهم، على حقّهم بالتمثّل بحيثيّتهم المُستقلّة، وكذلك بفعل تصاعد فرص توزير نجل نائب رئيس حكومة سابق من حصّة رئيس الجمهوريّة.

رابعًا: بالنسبة إلى مسألة تمثيل الأحزاب الصغيرة والأقليّات، فهي تلاشت بشكل كبير، حيث تُوجد صُعوبة لتقاسم الحُكومة المُقبلة بين القوى السياسيّة الرئيسة، الأمر الذي جعل من إحتمال تمثيل الأقليات مسألة صعبة جدًا، خاصة وأنّ حزب "الطاشناق" يُصرّ على ألاّ يقلّ التمثيل الأرمني في الحُكومة عن وزيرين بغضّ النظر عن إنتمائهما الحزبي، ويرفض حصر التمثيل الأرمني بوزير واحد لصالح وزير من الأقليّات. كما أنّ تمثيل الحزب "القومي" صار صعبًا بعد تمسّك "​حزب الله​" بحُصوله على ثلاثة وزراء، وإستبعاد قيام "التيّار" بالتضحية بمقعد وزاري مسيحي لصالح "القومي". وفي ما خصّ فرص تمثيل حزب "الكتائب" فهي ضئيلة أيضًا، بسبب عدم توفّر مقاعد مسيحيّة فارغة ولا وزارات وازنة، في ظلّ عمليّة "شد الحبال" بين "التيّار" و"القوات". وكل ما سبق زاد من الإعتراضات وجعل مهمة الشراهة تُلاحق العاملين المعنيّين بالتأليف.

في الختام، إنّ إحتمالات التوافق تبقى قائمة في أي لحظة، والدليل ما حصل على مُستوى اللجان النيابيّة في المجلس، بحيث جرى توزيعها على القوى السياسيّة الرئيسة باتفاقات مُسبقة. كما أنّ الساعات المقبلة ستحمل أكثر من لقاء مُهمّ، من بينها لقاء سيجمع كل من رئيسي "تيّار المُستقبل" و"التيار الوطني الحُرّ". لكن حتى اليوم، ما يُوصف بالعقد الحُكومية لا يزال قائمًا، وكل الإتصالات المفتوحة لم تنجح بعد في تدوير الزوايا، مع الإشارة إلى أنّ تلويح بعض الأطراف السياسيّة بخيار سحب التأليف من الحريري أتى بنتائج عكسيّة حيث زاد تشدّد "المُستقبل"، وبات يُنذر بإضافة مُشكلة صلاحيات دُستوريّة إلى مشاكل التأليف. وبالتالي، على خط تشكيل الحُكومة، يُمكن الحديث عن "تفاؤل قوي كتير" ليس بالمعنى الصحيح للعبارة، إنّما وفق أسلوب الفنّان زياد الرحباني التهكّمي والساخر والذي يقصد به العكس تمامًا!.