يوم أعلنت ​الحكومة اللبنانية​ منذ أكثر من خمس سنوات نيتها معالجة جبل ​النفايات​ في صيدا، ظنّ أهالي المنطقة أن الانتظار الذي دام ثلاثين سنة نتيجة وجود جبل النفايات القديم قد إنتهى، وأن المدينة على موعد مع تنشّق الهواء العليل نتيجة المعالجة الموعودة. لم يدرك السكّان أن مصيبتهم ستكون أكبر وأن خلف قضية إزالة جبل النفايات قصّة "استثماريّة" أخرى أرباحها مدمّرة للإقتصاد والبيئة والأهمّ لصحة الناس في صيدا وجوارها...

بعد سنوات من إزالة جبل النفايات القديم لا تزال ​مدينة صيدا​ تعاني، وإن رفض المسؤولون سماع الصرخة والاعتراف بواقع الحال، نتيجة الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات التي ترمى بجانب معمل النفايات المنزلية الصلبة هناك. تشير المصادر الى أن للروائح المنبعثة من المكان مصدران، الاول "النفايات غير المفرزة التي تدخل المعمل وترمى كما هي في البحيرة، والثاني فهو ما ترميه البلدية ممّا لا يستقبله المعمل كنفايات المسالخ والمدن الصناعية".

وتلفت المصادر الى أن "هذا المشهد أدى الى إنبعاث الروائح الكريهة في كل أرجاء المنطقة، ولكن "الفضيحة" الكبرى تكمن في "تشخيص المرض"، وعوضاً عن مراقبة أداء المعمل ومنع رمي النفايات في البحيرة تجري ​الهيئة العليا للإغاثة​ مناقصة عمومية لتلزيم تنفيذ المرحلة الاولى من مشروع معالجة إنبعاث روائح كريهة من بحيرة صيدا، وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء رقم 69 تاريخ 26/04/2018".

تصف المصادر ما تنوي الهيئة العليا للإغاثة القيام به "بالمخيف"، لافتةً الى أن "الأمراض ستبقى موجودة والنفايات أيضاً والأوضاع لن تتغيّر"، مشيرةً الى أنه "سيتم رشّ غاز من نوع آخر ليس له رائحة لتخفيف الروائح هناك وهذا أخطر من الغاز الذي له رائحة"، ومؤكدةً في نفس الوقت أن "أخطر أنواع الامراض هو الذي يمكن تنشّقه دون أن تشتمّ رائحته". وتسأل المصادر "لماذا تدفع الدولة من الخزينة المركزية ثمن معالجة مشكلة تسببت بها ​بلدية صيدا​؟ ولماذا لا تفرض عليها اجتراح الحلّ؟!".

يدخل معمل النفايات الصلبة يومياً ما بين 500 الى 600 طن من النفايات تتقسّم بين نفايات اتحاد بلديات صيدا والزهراني، جزء يأتي من قضاء جزين و250 طنا من نفايات بيروت، مع العلم أن القدرة الاستيعابية للمعمل لا تتجاوز 270 طنا من النفايات، وهنا تقول المصادر: "النفايات تدخل الى المعمل حيث يتم الكشف عن وزن الحمولة وتتقاضى الشركة 95 $ عن كل طنّ، قسم منها يعالج والاخر الذي لا يمكن استيعابه "يتم وزنه وقبض ثمنه ويرمى في البحيرة".

أمام هذا المشهد تعتبر المصادر أن "أساس المشكلة يختصر بالفائض من النفايات خاصةً نفايات بيروت، وأداء المعمل وتجهيزاته"، لافتةً الى أنه "منذ حوالي سنة تعاقد إتحاد بلديات صيدا مع شركة Buro-Veritas التي كان لها ثلاث مهمات: الأول يقضي بالرقابة على أوزان النفايات، ثانياً التأكّد من صلاحيات تجهيزات المعمل، ثالثاً التأكّد من آثاره البيئية". وتلفت المصادر الى أن "تقارير الشركة أكدت أنها راقبت أوزان النفايات ووقعت عليها، أما فيما خص تجهيزات المعمل فلم يُسمح لها بمعاينتها ولم تستطع أن تقيّم التلوّث لان هذه المسألة بحاجة الى آلات هي غير مزودة بها".

إثر المشكلة المتفاقمة نتيجة إنبعاث الروائح الكريهة من المعمل ومن البحيرة تحرّك عدد من أهالي المدينة مطالبين الدخول الى المعمل لمعاينة طريقة العمل، حصل يومها تدافع وأدى الى سقوط جرحى وأقفل المكان على أثرها لساعات وعاد وفتح أبوابه للعمل، ولكن بأي طريقة؟. أمام كلّ هذا تكتفي المصادر بالقول "الثلوّث الناجم عن المعمل ينشر الغازات والجراثيم السامّة بالهواء، ويؤدّي الى تلويث مياه البحر بالعصارة، إضافة الى ما يرمى في البحيرة من نفايات غير مفرزة أو تحت عنوان "عوادم" ملوّثة بالنفايات العضوية".

تؤكد المصادر أن "ما تحتاجه صيدا حالياً ليس اطلاق مناقصة لمعالجة الرائحة المنبعثة من البحيرة الملوّثة، بل معالجة ​مشكلة النفايات​ الممكنة بحال قرر المعنيون التخلي عن الارباح الكبيرة التي يجنونها بطريقة غير شرعية من هذا المشروع".

هل سيتحرّك المعنيون للمحافظة على ما تبقى من صحّة أبناء المدينة خصوصاً وأن الامراض السرطانيّة ازدادت فيها بكثرة بسبب النفايات والروائح المنبعثة منها، أم أنه بات على أبناء صيدا التفكير جدياً بالتحرّك ضد عصابات تتحكّم بأرواحهم وحياتهم او التحضير للنزوح الى مكان آخر يأويهم بعيداً عن المدينة"!؟.