أكّد رئيس الحكومة السابق ​فؤاد السنيورة​، أنّ "الإصلاح عبارة عن رحلة دائمة ومستمرّة من التلاؤم الدائم، تقوم بها المجتمعات والدول عندما تكون قادرة عليها وليس عندما تصبح مجبرة عليها"، مشيرًا إلى أنّه "عندما تكون مجبرة عليها، فإنّ الكلفة تصبح عالية والألم المترتّب عن التلاؤم المتأخّر عال، وهذا ما نشهده الآن في ​لبنان​"، منوّهًا إلى "أنّه لطالما كرّر هذا الكلام عن موضوع الإصلاح في كافّة المناسبات، ولكنه كان دائمًا يصطدم بأحداث تمنع القيام بذلك أو خلافات أو كان هناك استعصاء أو تشويه للمواقف أو رغبة في حرف انتباه اللبنانيين عن هذه المسائل".

ولفت السنيورة في لقاء حواري، بدعوة من الهيئة الإدارية في اتحاد رجال الأعمال لدعم التطوير "إرادة" في مقر الجمعية في تلة الخياط في ​بيروت​، إلى "أنّنا في لبنان نبحث عن الشيء المفقود في المكان الخاطئ وبالتالي لا نصل إلى نتيجة بل نعالج مظاهر المشكلة وليس جذورها وأسبابها الحقيقية"، مركّزًا على أنّ "تأخّرنا في القيام بالإصلاح أدّى إلى تفاقم المشكلات، منها الداخلية والأخرى القادمة من الخارج نتيجة وجودنا في منطقة حبلى بكثير من المتغيّرات والصدمات الّتي تنعكس علينا، ك​الأزمة السورية​ الّتي أفرزت ​النزوح​ إلى لبنان الّذي أدّى إلى انخفاض النمو الإقتصادي في البلد بحيث لا تتعدّى مستويات النمو 1.5 بالمئة".

ونوّه إلى "تفاقم الأمور خاصّة الإقتصادية والسياسية الّتي تؤدّي إلى انحسار الثقة بين المواطن والدولة وباقي السياسيين في البلد"، مبيّنًا "أنّنا نشهد عملية اندثار للدولة، الّتي يفترض أن تهتمّ بالشأن العام في حين أنّها أصبحت عبارة عن كعكة وكلّ واحد يأخذ قطعة منها، فيعتبر أنّ الوزارة الفلانية له ومسجّلة باسمه أو بإسم طائفته أو مذهبه، فأصبح الولاء للحزب أو الميليشيا وليس للدولة، فيتغطّى كلّ واحد بطائفته أو ميليشياته بعد أن جرى تقسيم هذه الدولة، وبعد أن ابتعد الجميع عن الدستور الّذي لا ينصّ على أنّ هناك أي موقع في الدولة حكرًا على طائفة معيّنة أو ممنوع على طائفة أخرى".

ورأى السنيورة أنّ "العالم اليوم يشهد المزيد من التشنّج والخطاب الشعبوي، في حين أنّ ​الدستور اللبناني​ لحظ مجلسي النواب والشيوخ، حيث تُحترم في الأول إرادة الفرد وفي الثاني تُحترم إرادة الجماعات، في حين أنّ الدستور نصّ على أن يترشّح النواب في مجلس الشيوخ على أساس لا طائفي، وفي الوقت الّذي جرى اتباع النظام النسبي الأعرج في ​الإنتخابات النيابية​ الأخيرة، حيث جرى إجهاض أي منافع لهذا النظام من خلال الصوت التفضيلي حيث انتخب كلّ واحد ابن مذهبه، ما أدّى إلى زيادة التشنجات المذهبية".

وذكّر بقول البابا يوحنا بولس الثاني بأنّ لبنان بحدّ ذاته هو رسالة، مشيرًا إلى أنّ "اللبنانيين منعوا من أن يقوموا بدور الرسول وكان من الأجدر بأن يقوم لبنان بتعميم هذه الرسالة على أبنائه وعلى العالم"، شارحًا "أنّنا اليوم نشهد انحسار الثقة في ​الدولة اللبنانية​ وبين اللبنانيين، ويفاقمها الشعور بالقلق على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية وكفاءة الإدارة، وهو أمر أصبح ضاغطًا على أعصاب الناس".

وفي الموضوع الحكومي، لفت إلى أنّ "خلال السنوات الماضية كانت تتزايد الفترة الزمنية الّتي يحتاجها الرئيس المكلف ل​تشكيل الحكومة​"، مشدّدًا على أنّ "الدستور اللبناني واضح وهناك أسباب حقيقية وجوهرية لعدم ربط الرئيس المكلف بأي فترة زمنية حتّى لا تكون هناك حجة لدى الّذين يريدون إفشاله وإزاحته من الدرب"، مبيّناً أنّ "البعض وصلت بهم درجة الوقاحة للمطالبة بتعديل الدستور بالممارسة"، منوّهًا إلى أنّ "هناك تزامنًا في استحقاق الكمبيالات علينا سواء الاقتصادية أو السياسية أو الإجتماعية أو الخارجية، كلّها مع بعضها بعضا".

وركّز السنيورة على "وجود عدّة مخارج لاستعادة الناس ثقتهم بالدولة الّتي يسعى البعض إلى نزع سلطتها وسلب صلاحيّاتها"، مشدّدًا على "ضرورة العودة إلى المبادئ ووجود موقف واضح من الرؤساء الثلاثة"، مؤكّدًا أنّ "من الضروري أن نحترم دستورنا الّذي كان واضحًا وصريحًا في كلّ الأمور وعلى جميع المسؤولين أن يحترموه وأن يلتزموا أمام اللبنانيين بأنّهم لن يقوموا بأي عمل يخالف ​إتفاق الطائف​"، جازمًا "أهمية إعادة الاعتبار للقوانين اللبنانية. القانون ليس مسألة وجهة نظر بل هو ملزم للجميع، ولا يحقّ لأي وزير أن يعمل من خارج هذا القانون".

ودعا إلى "إعادة الاعتبار إلى الدولة الّتي يجب أن تقوم بعملها لصالح كلّ اللبنانيين، لا لصالح الدين ولا المذهب ولا المنطقة وأن تعيد الاعتبار إلى سلطتها على كلّ مرافقها وأن تكون عادلة مع كلّ مواطنيها، إلى جانب أن يتولّى الأجدر والأكفأ المسؤولية في الدولة"، موضحًا أنّ "رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلّف تشكسل الحكومة ​سعد الحريري​ أنجز إنجازًا كبيرًا في مؤتمر "سيدر"، لكن الوعد لا يزال مؤجّلًا إلى حين معالجة الدولة اللبنانية لترهّلاتها والأخطاء الموجودة فيها"، مشدّدًا على أنّ "القيمين على مؤتمر "سيدر" لم يضعوا شروطًا على لبنان بل دعوه إلى إصلاح مؤسّساته لكي يكسب ثقة الآخرين"، عادًّا أنّ "الآخرين سيساعدون لبنان في حال ساعد هو نفسه".

وحول موقعه اليوم في "​تيار المستقبل​"، أوضح السنيورة "أنّني لم أكن عضوًا في التيار، لكنّني أعتبر نفسي جزءًا أساسيًّا من هذا التيار، وما زلت في أساسه وفي ضمير الناس وإلى جانبهم وأنا ما زلت فيه".