شدّدت صحيفة "الخليج" الإماراتية، على أنّ "الفراغ الناتج عن الصراع المألوف في ​لبنان​، قد يصل بك أحيانًا إلى التساؤل عن موقع الكتاب وقيمته، وقدرة مضامينه في ضبط الوطن ومكانه وحكّامه واستقراره. أعني بالكتاب "​الدستور​"، ويعني دستور ​اتفاق الطائف​، الّذي ورد في ديباجته أي في مقدّمته أنّ "لا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين ولا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"".

ولفتت في مقال، إلى أنّ "الواقع يفرز عكس هذه الديباجة، الّتي تشظّي اللبنانيين في فهم الشرعية والسلطات وفي محاربة التوطين؛ بما يجعل من فصل السلطات وتأطير الصلاحيات وتوازنها وتعاونها معضلة دولية عند تأليف أية حكومة أو انتخابات برلمانية أو رئاسية"، مشيرةً إلى أنّ "اللبنانيّين مسكونون بالخوف مع الصعوبات والعقد، الّتي تجهض ولادة ​الحكومة​ اليوم، ويضيعون في إلقاء المسؤوليات على الداخل أو على الخارج".

ونوّهت إلى أنّه "يلوح من الخارج عيون حمراء تحدّق بلبنان وتحاول إلباسه معظم العقد الإقليمية لا بل الدولية الّتي عصفت وتعصف بالمنطقة العربية منذ صرخة تونس الربيعية إلى مؤتمر هلسنكي بين الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ ونظيره الأميركي ​دونالد ترامب​، التي كان ينتظرها بخوف ربّما أطفال العرب والمسلمين، والّتي لم تفرز جديدًا منذ عام 1948؛ حيث كانت ​موسكو​ تسبق دول العالم كلّه للاعتراف بـ"إسرائيل"".

وركّزت الصحيفة على أنّ "السلم المنبثق من الطائف قد أرضى جروح اللبنانيين، الّتي لا يريد أحد تذكّرها ولو تنزلق بها بعض الألسن السياسية؛ لكنّه اتفاق لم يجعل الكوارث الكثيرة تأخذ طريقها إلى النسيان والتجدد"، منوهّةً إلى أنّ "لا مبالغة في توصيف النتيجة البارزة: اهتراء كامل وانتظارات مملّة وضغوطات اقتصادية وإعلامية وسياسية وعسكرية وحتّى تربوية، كأن تقرأ مثلًا أنّ ضغوطات وصلت إلى حدود عدم الاعتراف بشهادات بعض الجامعات في لبنان. وسواء أكانت هذه الضغوطات خارجية وبدوافع محاصرة متبادلة بين الأحزاب في لبنان، فإنّ الوطن دخل عمليًّا في جمهورية جديدة نسيناها؛ لكنّه بقي مطبّعًا بتقليدية طائفية ومناطقية هائلة في الحكم جعلت الشروخ كبيرة مع الناس وبينهم، ورفضت الأجيال الجديدة النظام القائم وأعرضت وتعرض عن ممثليه بحذر المصالح، وباتت تنظر استمرار تجمع سياسيين يتقاسمون الوطن".

وشدّدت على أنّ "مبدأ الحوار الشامل غاب، وفكّت أواصر اللحام ودخلنا إلى ثنائيات حزبية تتناحر في المذهب الواحد كما تتناحر مع المذاهب الأخرى، وكأنّ الوطن القسري بات مؤقتًا أو مرحليًّا في انتظار ظروف مستجدّة تقرع الأبواب الموصدة من خارج ما. إنّنا وكأنّنا في النقطة الصفر"، مشيرةً إلى أنّ "الأصوات السياسية المطالبة بتعديلات جذرية في اتفاق الطائف كنصوص باتت في الدستور ترتفع، وهذا حقّها الخطابي؛ لأنّ الدساتير ليست نصوصًا مقدّسة"، موضحةً أنّ "هذه الأصوات تقابلها فورًا أصوات أخرى تدعو إلى احتساب أعداد اللبنانيين تليها أصوات تقول إنه بالتوافقية لا بالعددية يتمّ حكم لبنان، ويصبح الدستور اتفاقاً مستورداً مفروضاً ولتطبيق نصوصه أعباء قابلة للتنابذ وتراكم العقد التي تولّد دستوراً مفترضاً قسرياً ووطناً قيصرياً في الوقت نفسه".

وسألت "لماذا يحصل كلّ هذا يا ترى؟ لأنّ لبنان يتوزّع مجدّدًا بين من يعارض الوطن/العهد ويطالب بالسلطة أو يعارض السلطات كلّها مطالبًا بالوطن أو يعارض الاثنين معًا أو يقبلهما، أو أنّه خارج هذه الدوائر كلّها وفي حال من اليأس من عدم الوفاق الوطني الّذي أورث مشاعر مثل الإحباط والانكفاء وعدم المشاركة مقابل التفرد والفجور والإلغاء والاستقواء والاستعداء إن لم نقل الإستجداء في الحصول على الحصص والمناصب"، مبيّنةً أنّ "المفارقة أنّ الإتفاق كنصّ دائري مقفل حمل مجموعة كبرى من القضايا الدستورية الّتي تحتاج إلى توضيح وتعميق للحوار، بحثًا عن الوفاق الفعلي، لكن الحوار كان يعني العودة إلى الإشتباك، وهو أمر كان ممنوعًا إقليميًّا ودوليًّا ولا ندري إن كان مسموحًا اليوم البحث في بنود دستورية تغامر بنسف الاتفاقات أو تعيدنا إلى مخاطر متجدّدة".

وركّزت على أنّ "بعض الفئات كانت تعدّ لبنان واجهة الغرب في المنطقة، لكن المنطقة كلّها أصبحت موطن الغرب والشرق. ولم يعد هناك من شرق بالمعنى الغربي للكلمة. يعيش اللبنانيون التنازع والإرباك السياسي والإرهاق الكياني، ولا نرى أنّ بوسعهم الإنخراط جذريًّا ولا الإنصراف كليًّا عن المتغيّرات الكبرى الحاصلة في العالم وفهمها وترجمتها في مواقف مستجدّة في ال​سياسة​ الداخلية"، مؤكّدةً أنّ "ثمة إجماعًا عند اللبنانيين على أنّ الدولة لم تقم بعد، وأنّ المستقبل غامض ومثقل بالديون ولبنان انتظر ما يكفي من هذه المآزم سياسيًّا واقتصاديًّا، فما نُفّذ من الدستور قد نفّذ وما لم ينفّذ سقط بانتظار نصّ معدّل أو جديد، والنصوص تعني الحروب في لبنان".