رغم كل التباينات الداخلية، والسباق السياسي بين الكتل لنيل حصص حكومية وازنة. ورغم الحديث عن عقدتين تحولان دون تأليف ​الحكومة اللبنانية​ حتى الآن: مسيحيًّا بين "​التيار الوطني الحر​" و"القوات"، ودرزياً بين الحزبين "​التقدمي الاشتراكي​" و"​الديمقراطي اللبناني​". لكن مصادر دبلوماسية تتحدث في مجالسها عن ان "تلك العقد هي مسائل تفصيلية بسيطة نسبة الى عقدة جوهرية، تحول دون بت أمر التأليف حتى الآن". تقول الأوساط، إن ​الولايات المتحدة الأميركية​ إشترطت لتقديم المساعدات الماليّة للبنان، حصول الكونغرس في الأول من أيلول، على تقرير لبناني مفصّل، تقدمه وزارتا الخارجية والدفاع اللبنانيتين، الى واشنطن، حول نشاط "​حزب الله​" في لبنان، وقدراته المالية، ومدى تأثيره في الحياة اللبنانية، وفعاليته في المؤسسات، وحجم التدخل الإيراني"... لا يقتصر الطلب الاميركي عند هذا الحد، بل يصل الى حد التأكيد على عدم مساندة الحكومة اللبنانية، في حال كانت الموازين فيها تميل الى كفّة الحزب وحلفائه. بالنسبة الى الأميركيين، كل فريق لبناني يتفاهم او يتعاون او يتحالف مع "حزب الله" في ال​سياسة​ هو محسوب على الحزب في الميزان الأميركي. هذا ما تردده الاوساط الدبلوماسيّة، التي تستحضر كلام المسؤول الإيراني ​قاسم سليماني​، الذي تحدث فيه عن حصول الحزب وحلفائه على 74 نائبا في المجلس النيابي الجديد. ولذلك، لا تريد واشنطن ان تكون الحكومة اللبنانية العتيدة شبيهة بالمجلس النيابي، وهي توحي برفض التعاون مع أيّ حكومة لبنانية آتية لا يكون فيها التوازن السياسي قائماً بين القوى الحليفة والمتخاصمة مع الحزب. وتردّد الاوساط الدبلوماسيّة ذاتها، أن مطلب رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ حول تمثيل حزبه في الحكومة، يحظى بدعم أميركي-سعودي، للإعتبارات المذكورة عينها.

إن شرط واشنطن لتقديم المساعدات، وتسهيل تنفيذ نتائج مؤتمر "سيدر"، يتزامن مع مؤشرات اميركيّة مترابطة: خففت واشنطن من تمويل "اليونفيل" في الجنوب اللبناني من 250 مليون دولار-القيمة التي تدفعها، الى 150 مليون دولار، ثم الى 80 مليون دولار. التوافق الأميركي-الروسي على تحجيم دور "حزب الله" العسكري، لدرجة أن ضبط الحدود مع سوريا، لم يعد يتطلب إنتشارا عسكريا من جهة لبنان، لمنع انتقال المسلّحين والسلاح والتهريب... بل تكفّلت روسيا بضبطها من داخل سوريا. وهنا تشير الاوساط الدبلوماسية ذاتها، الى تمدّد الروس، "على حساب الحزب، وتمتين علاقاتهم مع مجموعات عشائريّة لبنانيّة نافذة على الحدود بين لبنان وسوريا، وإستخدام تلك المجموعات في تحقيق الغايات الروسية".

الاوساط نفسها رصدت التباينات الشيعيّة، بعد موقف النائب اللواء جميل السيّد، ورأت في "الخطاب الساخن بين البقاعيين والجنوبيين على وسائل التواصل الاجتماعي، عنواناً قابلاً للتمدّد، خصوصاً انه يلقى اصداء شعبية، في بعلبك-الهرمل، مرشّحة للتصاعد، على وقع عجز الحزب عن المعالجة، وهو سيجعل حزب الله مشغولاً بساحته الداخلية في المرحلة المقبلة، في ظل ازمته الماليّة المرتقبة، ومغادرته تدريجيًّا الاراضي السوريّة، وتراجع دعم ايران وفاعليتها في سوريا ولبنان".

وترجّح الاوساط الدبلوماسية عدم قبول الاميركيين بخطوة تشريع الحشيشة، لانها ستفرض ارتياحاً مالياً في بيئة "حزب الله" ومدخولاً قد يستثمره الحزب، أو يخفّف من أعبائه، بينما المطلوب استثمار مساحة الفقر والقلق الشعبي الشيعي، والضغط على "حزب الله" و"​حركة أمل​" معاً، وزيادة الشرخ بينهما وبين الجمهور الذي إحتضنهما طيلة الفترة الممتدة من عام 1982 حتى الآن. ترصد الاوساط الدبلوماسيّة اهتماماً غربياً وعربياً بما جرى خلال الاسبوع الماضي، من اتّهامات متبادلة بين النائب السيّد وجمهور "أمل"، وتراه جمراً قائماً تحت الرماد، سيجرّ تداعيات تطال الحزب في عرينه الأساسي...

كل تلك العوامل تعزّز الرؤية الأميركيّة بوجوب عدم حصول الحزب وحلفائه على اكثرية في مجلس الوزراء اللبناني الآن، وإستمهال عملية التأليف، لحين تبيان تداعيات تراجع قدراتالحزب".

لكن الاوساط ذاتها، تقرّ أن رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ مستعجل لبتّ امر التأليف سريعاً، لأسباب يرتكز فيها على الإرتياح السوري ميدانياً وسياسياً، الامر الذي ينعكس تعزيزاً لدور حلفاء دمشق داخل لبنان، وللتأكيد، يشير الحريري الى مسألة ​النازحين السوريين​، التي يفرض فيها "حزب الله" رأيه، مسنوداً الى موقف رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم، قبل وصول الاشارة الدولية، التي لم تُطلق صفّارة العودة بعد.

لا يعني كل ذلك، على ان القوى إستسلمت للرأي الأميركي، فالحريري يتمسك برأي "القوات" للتأكيد للأميركيين والسعوديين، أنه ينحاز الى رأي واشنطن، ولا يريد للحزب وحلفائه(من ضمنهم التيار الوطني الحر) أن يُمسكوا بقرار الحكومة اللبنانية كاملاً. و"التيار الوطني الحر" يزيد من وتيرة اتصالاته التي تصل مع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ الى الولايات المتحدة، للقيام بإجتماعات على هامش مؤتمر حرية العبادة الذي تنظّمه ​وزارة الخارجية الأميركية​. سيحاول باسيل الفصل بين الحزب وحلفائه، والاستناد الى تجارب الحكومات السابقة، التي شارك فيها "حزب الله" من دون أي تأثير سلبي، لا على التزامات لبنان الدوليّة، ولا على سياسة الحكومة اللبنانيّة بشكل عام.

المحاولات اللبنانية متواصلة، مسنودة الى حراك اصدقاء داخل عواصم القرار، لكن "التيار الوطني الحر" يتّهم "القوات" بلعب دور سلبي في الولايات المتحدة، من خلال مسؤوليها، غير ان "القوات" تنفي الاتهام. هذا العنوان كان موضوع عتب ضمني بين "التيار" وقائد الجيش ​جوزيف عون​ الذي استقبل وفدا قوّاتياً، الامر الذي لم تستسغه قيادة "الوطني الحر"، بإعتبار ان مسؤول "القوات" في واشنطن كان يسعى لإفشال زيارة عون الى الولايات المتحدة ومنع تسهيل تسليح الجيش. كلها اتهامات متبادلة في وقت السباق السياسي حول موضوع الحكومة. فهل يبقى التأليف يجابه المطبّات حتى أيلول؟.