رغم كل المحاولات السياسية الداخلية لاستيلاد "حكومة العهد الأولى"، لم يصل المعنيون بالتأليف الى مرحلة الولادة. الأسباب الظاهرة، تكمن في النزاع حول الحصص، وسعي القوى الى حفظ ادوارها خلال المرحلة المقبلة. اما الأسباب الخفية، فهي محاولة افرقاء إمساك اللعبة داخل مجلس الوزراء، من خلال "الثلث المعطّل". ليست هي المرة الأولى التي يجري فيها السباق السياسي اللبناني، لكنها من المرات النادرة التي لا تتدخل فيها عواصم خارجية لدفع او تسهيل التأليف الحكومي. لا بل، يأتي الجواب الخارجي حول عدم التدخل: إذا كان اللبنانيون لا يتحملّون مسؤولية وطنية في بلدهم، في ظروف حسّاسة إقتصادية، ومعيشية، وسياسية، فهل نتحمّل عنهم تلك المسؤولية؟!. لا يعني ذلك أن العواصم ادارت الظهر للبنان. السفراء والمتابعون حثّوا اللبنانيين على بت أمورهم الحكومية، في وقت حاولت عواصم اخرى ضم الملف اللبناني الى السلة التسووية الدولية، من ضمن العنوان السوري وملف النازحين ما استوجب الاتفاق بين الرئيسين الأميركي والروسي في قمة هلسنكي. من هنا، جاء الكلام عن ان عدم ولادة ​الحكومة اللبنانية​ خلال الاسبوع الجاري، يعني فشل ضم الملف اللبناني، وبالتالي ارجاء موعد التأليف الى ما بعد شهر أيلول. فلنفترض ان الولادة الحكومية مؤجلة، تحت عنوان : لم يحن وقت التنازلات بعد، فمن سيكون الخاسرون عندها؟ يدأب رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ على تكرار بث أجواء إيجابية بالنسبة الى "قرب التأليف" الحكومي. تلك مهمته، في إستمرار فرض الأجواء الإيجابية من جهة، ويقينه أن التسوية هي المخرج في نهاية المطاف، "فلا داع للسلبية". لكن الحريري الذي فرض تموضعاً سياسياً ابعده عن "​التيار الوطني الحر​" في الاسابيع الماضية، يعرف أن حكومة تصريف الأعمال التي يقودها، ستواصل الحُكم، وتسيير شؤون الدولة، من دون أي "فاول"، وهو موجود في ​السراي الحكومي​ يمارس مهامه، وصلاحياته، في مسافة زمنية مفتوحة، لن يسمح لاحد بالإنقضاض عليها، او تجريده منها. إذاً هو رئيس حكومة، وفي ادارة السلطة التنفيذية، رغم ان مجلس الوزراء لا يعقد جلسات طبيعية في فترة تصريف الاعمال. باقي القوى السياسية، إمّا انها لا تتأثر بشكل مباشر، بغياب أو وجود حكومة أصيلة، وإما انها تتفرّج على "صعوبة إندفاعة العهد"، حيث تجري بعض القوى السياسية حسابات تلك الاندفاعة على أساس الانسجام الوزاري المرتقب، والقدرات الانتاجية المتوقعة. لا يهم بالنسبة الى حزب "القوات" نجاح العهد، رغم حديث القواتيين عكس ذلك. هم يعتقدون ضمناً ان فشل العهد، يعني فشل امكانية وصول وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الى ​بعبدا​ لاحقاً. اذا كان حزب "القوات" يستعجل التأليف فعلاً، فهو يعرف ان التأخير في الولادة

الحكومية يصيب العهد، ويؤخر اندفاعته. في المبدأ، لا يؤثر الاستمهال على صورة "القوات"، بل يطال صورة العهد الرئاسي الذي كان وعد بمرحلة سياسية أفضل، فتوقع اللبنانيون سرعة في التأليف الحكومي تعكس رغبة في الانتاجية. لكن، لم تكن رياح التأليف تجري كما تشتهي سفن العهد، ما يعني أن المتضرر الأول من تأخير الولادة الحكومية هو العهد. اذا زادت ازمات المواطنين المعيشية والاقتصادية، سيحمّلون المسؤولية المعنوية للعهد، رغم ان تلك المسؤوليات يتحملها مجلس الوزراء مجتمعاً، لا رئيس الجمهورية وحده، بدليل أن عدم حزم الرئيس المكلّف امره، لا يعطي الصلاحية لرئيس الجمهورية بالدعوة لتسمية رئيس مكلّف بديل. لكن الرأي العام لن يتوقف عند تلك التفاصيل المهمة، بل سيعمد الى رمي الكرة في ملعب العهد. فهل يشكّل ذلك دافعا لضرب رئيس الجمهورية يده على الطاولة بحزم، وتفكيك العقد السياسية بنفسه، وفرض التنازلات، ومخاطبة اللبنانيين بأنه آن اوان ولادة الحكومة من أجل التفرغ للعمل الوطني السياسي الاصلاحي، الاقتصادي- المعيشي؟ لو حصل، سيترجم بالفعل رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ شعاره: الرئيس القوي. فهل يقيس اللبنانيون قوة العهد على هذا المقياس؟