قد يبدو للوهلة الأولى أنني أصرّ على انتقاد خطة ماكينزي والتي تعوّل عليها الحكومة ال​لبنان​ية لإنعاش ​الاقتصاد اللبناني​ المتعثّر، ولا أخفي أنني وكغيري من الاقتصاديين اللبنانيين والخبراء نشعر بالخجل حين تلجأ حكومتنا للاستعانة بشركة عالمية تعلّمنا كيف نقوم بتحفيز اقتصادنا.

ولكن للابتعاد عن السلبية قد نكون حقيقة بحاجة الى خطة ماكينزي، ربما لأنّ طبقتنا السياسية اعتادت أن تسمع لما هو اجنبي، وتعطيه المصداقية الاكبر، او ربما لأننا اقتنعنا أننا شعب غير قادر على الابتكار واجتراع الحلول، أو الأسوأ نحتاج دائماً لأخذ التوجيهات من الخارج. الاهم أمن خطة ماكينزي تطرح الخطوط العريضة والماكرو، وللأمانة لم نطّلع بعد على كافة تفاصيلها لتكوين الرأي الشامل، الّا أنه ومن العناوين الأوّلية يتّضح أنّ الخطة الماكرو تعيد على أسماعنا عناوين ومطالب نتناقلها عاماً بعد عام، وعهداً بعد عهد، ولا جديد تحت الشمس، فبالطبع نحتاج الى رفع إنتاجية صغار ​المزارعين​ وإنشاء مناطق صناعية واستقطاب السياح من مقاصد جديدة، وتحويل لبنان إلى وجهة رئيسية لإدارة الاستثمارات والخدمات المصرفية (الأوفشورينغ، والارتقاء بلبنان إلى وجهة إقليمية رائدة تقدّم خدمات التعاقد الخارجي بقيمة عالية ليصبح مركزاً عالمياً للبحوث والتحليلات، رائع ومَن لا يحلم بذلك.

ولكن قبل ذلك هل حلّل الخبراء أسباب عدم قدرة لبنان على تحقيق جزء صغير من هذه الخطة الطموحة، هل غاصوا في وحول مشكلاتنا المزمنة؟ هل درست الخطة تراجع ​الصادرات​ واسبابها؟، وهل انطلقت من المعوقات الاساسية في تراجع تنافسية لبنان واقترحت حلولاً لذلك، وهل هذه الخطة السحرية سترى طريقاً للتنفيذ إذا لم نعالج التفاصيل اليومية الصغيرة التي تكبّد اقتصادنا الوطني الكثير، على مدى سنوات تقدّمت بخطط واقتراحات ورفعت الصوت عالياً للتنبّه ممّا نمرّ بها حالياً، لسنين كتبنا وطالبنا واقترحنا، انطلاقاً من خبرتنا اليومية لما نحتاجه، قد لا نحتاج الى ماكينزي ولدينا مجلس اقتصادي اجتماعي ولدينا جمعيات للصناعيين والتجار والسياحيين يدركون الوجع ويعرفون الحلول جيداً. لسنين طويلة نحاول إلقاء الضوء على المشكلات الأساسية لمعالجتها، مشكلات نختبرها يومياً.

قبل ​الانتخابات​ كانت هناك ردة «​مكافحة الفساد​» وقبل الانتخابات ردة «اقتصادنا منكوب» وكل مَن قام بغناء هاتين الردتين لم يخلص الى حلول في الموضوعين، أعيد التذكير بالاقتراحات التالية لإبقاء الذاكرة منتعشة ولإبقاء الحوار الاقتصادي مفتوحاً، فأنا لا أدّعي امتلاكي للحلول، ولكنني أشجّع على الحوار والنقاش الاقتصادي للوصول الى ابتداع الحلول المشتركة والأهم إشراك المواطنين في هذا الحوار، لأنّ تيئيس المواطن اقتصادياً أخرجه من عادة التفكير بأموره الاقتصادية واختيار والمطالبة بالافضل، الكثير من الاقتراحات لزيادة الواردات ولتطبيق الشفافية وتحفيز الإنتاجية والفعالية. واردات مخفية، وأدوات اساسية لإعادة تحفيز انتاجنا الوطني:

1. قانون الحق في الوصول الى المعلومات: أكرّر وأعيد وأصرّ على انه الاداة الافعل لإعادة ثقة المواطنين والمستثمرين، وهو كعقد مشترك من جميع الاطراف السياسية باعتماد الشفافية المطلقة، بدونه أيّ خطة اقتصادية ستبقى محدودة. فكيف نضع حلولاً لمشكلاتنا إذا كنا لا نعرف حجم المشكلة اساساُ وبالأرقام.

2. حاكمية لمكافحة الفساد رغم أنّ قانون الهيئة العليا لمكافحة الفساد مطروح، الّا انّ التجربة حتى الآن في لبنان أثبتت بما لا يقبل الجدل أنّ الهيئات والمجالس واللجان التابعة لأيّ سلطة سياسية لا تؤدّي المطلوب منها بل تتحوّل الى إدارة اضافية في النزاع القائم، وبالتالي ما نحتاج اليه هو حاكمية لمكافحة الفساد مشابهة لحاكمية ​مصرف لبنان​، تكون لديها سلطة عليا منفصلة عن السلطات السياسية.

3. المجلس الاعلى للتنافسية: مهمته ببساطة اعادة النظر بكافة الاجراءات procedures وتكون لديه صلاحيات فوق الوزارات والادارات والمؤسسات لإعادة كتابة كافة الاجراءات بعقلية جديدة يكون الهدف الأوحد له ترشيق المعاملات وإبعادها عن أيادي السماسرة، وتوضيحها وتبسيطها لتصبح اجراءات ملائمة تتناسب مع التنافسية الإقليمية والدولية، والاطّلاع على ما تقوم به الدول الناجحة في هذا المجال، فما يقوم بتهريب المستثمرين هو الإجراءات تحديداً وتعقيدها من إنشاء شركة الى الاستحصال على الرخص وغيرها.

4. ضريبة TVA نسبة كبيرة من الحركة الاقتصادية التجارية في لبنان خارجة عن منظومة الـTVA وهذا موضوع اساسي إذ يمكن تحسين جباية الـTVA بنسب مرتفعة. الحل: تخفيض رقم حجم الاعمال للشركات غير المسجّلة من 150 مليون ليرة لبنانية الى 30 مليون ليرة لبنانية ومنع استيراد كميات تجارية إذا كانت الشركة المستوردة غير مسجّلة في TVA. رقابة لاحقة من ​الجمارك​ للتأكّد من صحة الأسعار وهذا موضوع غير معقّد ويمكن للجمارك أن تتأكّد منه. وإلغاء الطوابع الأميرية وزيادة نقطة واحدة على TVA للتعويض.

5. التخمين المركزي: إعتماد تخمين واحد لكل منطقة عقارية أو جزء من منطقة عقارية، ويُعتمد التخمين كحدّ أدنى ليكون اساس فرض الضريبة. عدم ربط التخمين بلجان التخمين وإغلاق باب الاستنساب وإصدار تخمين كل 6 أشهر بالحدّ الأدنى المقبول من المالية يطال كل عقارات لبنان، فالمخالفات والتجاوزات في عمليات التخمين للتهرّب من دفع الرسوم كاملة تؤدّي الى ضياع لأموال الخزينة العامة. واعتماد القيمة على أساس التخمين المركزي.

6. إعادة هيكلة الوظائف العامة بإلغاء الوظائف للفائض من الموظفين ومعالجة الشغور في اماكن اخرى والأهم التوقف عن التوظيف والتعاقد كلياً مهما كانت الأسباب لحين تطبيق حقّ الوصول الى المعلومات وتكوين صورة دقيقة عن حجم التوظيف والحاجات والفعالية.

7. تطبيق الضريبة الموحّدة على الدخل: إنّ هذه الضريبة تؤدّي الى عدالة ضريبية وزيادة في الحصيلة الضريبية بنتيجة جمع مصادر الدخل وإخضاعها لضريبة تصاعدية وتسهيل إجراءات الضريبة آخذين بعين الاعتبار حقوق المكلف كإنسان وكمستهلك، فلا يجوز أبداً إعطاء المفتشين حقوقاً يمكنهم من خلالها ابتزاز المكلف. كما يجب تطبيق قانون الثواب والعقاب على مفتّشي المالية، فإذا كان المفتّش يخسر غالبية الاعتراضات المحالة الى المحاكم ويحيل اعتراضات سبق للمحاكم أن اعطت رأياً فيها، يجب عندها أن يحاسب المفتش في هذه الحالة ويتحمّل المسؤولية.

8. توحيد الصناديق الاجتماعية (الضمان الاجتماعي- التعاونيات- الجيش وقوى الامن، القضاء و​وزارة الصحة​ الخ....) ما يسمح بمعاملة عادلة بين القطاعات لناحية العطاءات والضمانات.

9. الأملاك العامة: فرض تسوية على مخالفات ​الأملاك البحرية​ والنهرية على اساس اسعار ​العقارات​ الواقعية الرائجة حالياً وفرض بدلات استثمار للمؤسسات القائمة على هذه الاملاك منذ تاريخ الاستثمار لغاية تاريخه وإعادة النظر في كل عقود الإيجار للقطاع العام.