يلتقي أكثر من مسؤول سياسي لبناني على أن عملية تأليف الحكومة متعثرة، وأن ولادة هذه الحكومة لن تكون في قبضة اليد في وقت قريب، وعندما يُسأل هؤلاء عن الأسباب الكامنة وراء هذا التعثر يختلفون في توصيف مكامن المشكلة، فمنهم من يعزو السبب إلى خلاف داخلي على الحصص، ومنهم من يربط عملية التأليف بالعامل الخارجي حيث أن هناك جهات تضغط باتجاه التريث في التأليف ريثما تتبلور صورة المشهد الإقليمي أكثر، وتُعرف اتجاهات الريح في المنطقة في المرحلة المقبلة، وآخرون يرون وجود عوامل داخلية وخارجية معاً تمنع ولادة الحكومة، وبين هذا الموقف وذاك فإن الوضع الاقتصادي الذي يُعاني في الأصل نوعاً من الانكماش نتيجة الأوضاع غير الصحية في المنطقة يتجه رويداً رويداً نحو الهاوية، وهو ما كان حذر منه ولا يزال رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي لا يرى وجود أسباب جوهرية تعيق عملية التأليف.

وفي هذا السياق فإن أحد الوزراء السابقين المعروف عنه بمتابعته الحثيثة لأي شاردة وواردة على الساحة السياسية يكشف عن وجود عقد كبيرة تعترض عملية التأليف، وفي رأيه بأن هذه العقد ليست في مجملها داخلي بل إن الواقع الإقليمي يساهم بشكل فعّال في وجود هذه العقد التي يصعب حلها في الظروف الراهنة وهو ما يدفع إلى القول بأنه من الصعب تأليف الحكومة في القريب العاجل.

وفي تقدير هذا الوزير أن هناك قطبة مخفية في مكان ما تحول دون بلوغ هدف التأليف، من دون أن يُسقط من الحساب وجود فيتوات في الداخل والخارج على بعض الحقائب لهذا الفريق السياسي أو ذاك وهذا الأمر يُشكّل عقبة أساسية أمام المولجين في عملية التفاوض التي عادة ما تسبق عملية تأليف الحكومة.

ويعتبر الوزير نفسه أن التقارب الذي برز في الآونة الأخيرة بين ​واشنطن​ وروسيا من شأنه أن يخلط الأوراق مجدداً على مستوى وضع المنطقة، ولبنان لا بدّ وأن يتأثر إيجاباً أو سلباً من أي تطوّر مستجد، ولذا فإن على المسؤولين قراءة المشهد الإقليمي جيداً والتصرف على أساس أن لبنان لن يكون في منأى من أي مستجدات إقليمية أو دولية وهو ما يرتب علينا ترتيب وضعنا الداخلي لمواجهة أي تحدٍّ خارجي تجنباً لدفع المزيد من الأثمان.

في موازاة ذلك فإن مصادر نيابية ترى أن ما أُطلق من مواقف في اليومين الماضيين إن على لسان وزير الإعلام ​ملحم رياشي​ الذي أعلن تمسك ​القوات اللبنانية​ بـ5 وزراء في الحكومة، والهجوم الذي شنّه الوزير ​طلال أرسلان​ بالمباشر على النائب ​وليد جنبلاط​، إضافة إلى تجديد الرئيس المكلف قوله بأن لا مهلة زمنية تقيده لتأليف الحكومة، كل ذلك يُؤكّد بأن لا حكومة جديدة في وقت قريب، وأنه وبالرغم من مرور شهرين على اعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، فإن المشاورات والمفاوضات بشأن ​تشكيل الحكومة​ الجديدة لم تتجاوز المربع الأوّل لا بل إن ما يجري أقرب في الوصف إلى حكاية «إبريق الزيت» التي هي عبارة تحوّلت مثلاً في اللهجات المحكية تستخدم بكثرة في لبنان و​سوريا​ للدلالة على حالة متكررة قد لا تنتهي، كمن يدور في حلقة مفرغة لا يجد إلى كسرها والخروج منها سبيلاً.

وتؤكد هذه المصادر أن عملية التأليف تحوّلت إلى أحجية لم تجد من يحلها بعد، وهذه الأحجية تتعقد يوماً بعد يوم وترتسم معها صورة ضبابية عمّا سيكون عليه الوضع الداخلي إذا استمرت الأمور على هذا المنوال.

وإذ تعلق المصادر النيابية الأمل على مروحة الاتصالات التي سيجريها الرئيس المكلف في اليومين المقبلين، فإنها تلفت النظر إلى أن لا شيء جديد استجد على مستوى مواقف الأطراف المعنية حيث العقد ما تزال في مكانها، ومن غير المعروف ما إذا كان الرئيس الحريري قد كوّن في الأيام الماضية تصوّراً جديداً من الممكن أن يُحدث ثغرة ما في حائط المطالب الذي يزداد سماكة مع الوقت.

وتؤكد المصادر أن هناك رغبة صادقة لدى الرئيس الحريري في إتمام عملية التأليف في أقرب وقت، لكن على ما يبدو فإن هذه الرغبة شيء والواقع السياسي الذي يتحكم بعملية التأليف شيء آخر، وبذلك دلالة واضحة على أن درب الرئيس المكلف ما تزال وعرة وأنه سيكون أمامه الكثير من الألغام التي عليه تفكيك صواعقها لكي يتمكن من إنجاز مهمة التأليف.

وعما يمكن أن يفعله رئيس الجمهورية بهذه الحالة تلفت المصادر إلى أن الرئيس عون ينتظر ما سيحمله إليه الرئيس المكلف للبناء عليه، مع أن أوساطه تعتبر أن العهد هو المتضرر الأوّل من تأخير تأليف حكومته الأولى بعد الانتخابات.