لا يمكن وصف الخطوات التي تقوم بها ​اسرائيل​ في الآونة الاخيرة، سوى بتعبير واحد مفاده "سقوط القناع". والقناع في هذا المجال هو الديمقراطية المزيّفة التي لطالما تسلّح بها حلفاء اسرائيل في الغرب للترويج لمساندة الاسرائيليين ومنحهم التفوق العسكري على "جيرانهم" ومنهم ​لبنان​. فبعد "صفعة" السيطرة على ​القدس​، اتت "لكمة" اقرار ​الكنيست​ منذ ايام قانون "يهودية الدولة" وخلاصته وضع الامور كلها بيد اليهود فقط واسقاط اي حقوق للعرب حتى من يعرف منهم بـ"عرب اسرائيل".

هذا القرار اسقط ورقة مهمة كانت تلوّح بها الدول الغربية وفي مقدمها ​الولايات المتحدة​ عند تبريرها الدعم المطلق للاسرائيليين، لانه وفق نظرة هذه الدول، ليس هناك من ديمقراطية في ​الشرق الاوسط​ سوى في اسرائيل، فيما الواقع اثبت اكثر من مرة ان هذه المقولة ساقطة دبلوماسياً وانسانياً، ولكن تم اسقاطها هذه المرة رسمياً وبأيدي الاسرائيليين انفسهم. بماذا سيتغنى الغرب في دعمه لاسرائيل بعد اليوم؟ وما الذي سيقوله لمن سرقت منه ارضه ولم يعد لديه الحق في ايصال صوته الى الرأي العام العالمي، وما الذي سينفع بعد اليوم لجهة انتخاب اعضاء الكنيست من العرب، ولو ان وجودهم لم يكن يسمح لهم بأي شكل من الاشكال في تغيير قرار او تمرير آخر؟.

واللافت في المسألة ان القانون لم يأخذ في الحسبان من يخدم في ​الجيش الاسرائيلي​ من غير اليهود، وتحديداً ​الدروز​ الذين باتوا كـ"الزوج المخدوع" اذ وجدوا انفسهم فجأة خارج اي معادلة او حقوق يمكن ان تعطى لهم، وهم الذين قرروا وضع حياتهم على المحك من اجل الاسرائيليين. وعليه، من الممكن ان يشكل القرار الاسرائيلي حافزاً لكل من تم استثناؤه، كي يتضامن مع غيره انطلاقاً من مبدأ "المصيبة تجمع"، ويرفع الصوت عالياً عله يصل الى مسامع البعض ويوقف قطار الامعان في قتل الديمقراطية.

كيف يمكن للغرب ان يشرح للرأي العام كيفية قيام اسرائيل، في القرن الواحد والعشرين، بتجسيد اعلى مراتب العنصرية فيما تتدخل الدول العظمى وتقلب الانظمة في اكثر من بلد، تحت ستار "الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان"؟ وبعد ايام عدة على اقرار القانون، لم نسمع صوتاً رسمياً واحداً يحذر من خطورته، كي لا نقول ادانته لانها مرحلة متقدمة جداً بالنسبة الى الغرب.

والخوف من ان تمهّد "صفقة القرن" لقيام ​الدولة اليهودية​ الاسرائيلية على اعتاب الدول العربية، فيصبح توطين ال​فلسطين​يين في الدول العربية -حتى اولئك الذين يتواجدون على قسم من ارضهم في فلسطين- واقعاً لا مفر منه وحقيقة مرّة لا يمكن تغييرها مهما حاول العالم، ويصحّ عندها تحويل عبارة "صفقة القرن" الى "سرقة القرن" حيث يتم سرقة دولة بكاملها وطرد شعبها بموافقة عالمية، دون السماح بالاعتراض على هذا الامر. وقمة السخرية تكون في ان العالم عمد الى تقسيم الدول العربية وتقديم فلسطين هدية لاسرائيل، متذرعاً بالديمقراطية والسلام، وهما صفتان لن يتوافرا في المنطقة ولا في اسرائيل لاجيال مقبلة.

اما الدرس الذي يجب اتخاذه عبرة من القرار الاسرائيلي، فهو ان الحق يمكن ان يموت حتى ولو كان وراءه مطالب، اذا عرف المتسلط كيفية نسج علاقات تحميه من اي محاسبة، وتلطى خلف عناوين فضفاضة ورنانة يستمتع الناس بسماعها دون الحاجة الى ان تُنفّذ على ارض الواقع، وان العرب لن يحصلوا يوماً على حرية تقرير المصير اينما وجدوا في العالم، وانهم الحلقة الاضعف على هذه الكرة الارضية مع حقيقة انهم ارض خصبة لاجراء التجارب الدبلوماسية والجغرافية والعسكرية، وهو السبب الوحيد لابقائهم في دولهم مع سلطة "حكم ذاتي" محلي لا ترقى الى اتخاذ قرارات دولية تؤثر على مسار الاحداث في اي منطقة في العالم.