كسرت عهد باسم التميمي (17 عاماً) جبروت الإحتلال الإسرائيلي في صفع ضابط وجندي إسرائيليين، وأمام المحكمة، وفي زنازينه، وفي اضطراره للإفراج عنها ووالدتها ناريمان (41 عاماً) رغم محاولات العرقلة، وفي الرسائل التي أطلقتها في زياراتها، ومؤتمرها الصحفي، لتحدد الاتجاه الصحيح للبوصلة.

بعد 222 يوماً قضتها «أيقونة النضال ال​فلسطين​ي» في زنازين الإحتلال مارس خلالها شتى أنواع الضغوطات، لاذت خلالها بصمت مطبق أمام المحققين، وفي «محكمة عوفر» العسكرية، قابلتها بإطلاق ابتسامة أغاظت القضاة العسكريين، واختصرت بوصفها المحاكمة بأنها «غير شرعية».

خرجت الفتاة التي شغلت العالم لتؤكد «الاستمرار في مسيرة النضال، فالكل يموت وتبقى فلسطين، وهي كل حياتي، وهي الأغلى، وكل ما نقدمه من أجلها يهون».. بهذه الكلمات عبرت الأسيرة المحررة عهد لـ»اللـواء» بعد خروجها من السجن.

وحددت عهد التي نضجت في طفولتها، خارطة الطريق التي رسمتها باكراً «أن أساليب النضال متعددة، وقد اخترت أن أدرس القانون الدولي لأدافع عن أهلي وشعبي وقضيتي».

لقد استطاعت ذات «الشعر الذهبي» والعينين الزرقاوين، الانتصار على السجن وآلامه، باكمال دراستها في المرحلة الثانوية، بعدما كان اعتقال الإحتلال لها بقرار فردي من وزير دفاع العدو ​أفيغدور ليبرمان​، فكان ينقصها هذه التجربة، لتضيفها إلى ما اكتسبته من خبرة في الحياة، على الرغم من سنوات الطفولة، فتعلمت في السجن، الصبر، والأسر، والحرية، لتحمل على كاهلها ملفات جديدة، تطوف بها العالم، نصرة لقضية أبناء جلدتها، وباتقان من زاوية قانونية.

حبست عهد دموعها في مقلتيها في مواجهة قمع الإحتلال ووحشيته وهمجيته، لأنها تعلم تماماً أنه يريد استغلال تلك الدموع، لإظهارها بمظهر النادم على ما فعلته، بعد صفعها وركلها ضابطاً وجندياً من لواء «غولاني» في جيش الإحتلال، ومنعهما من دخول منزل العائلة (15 كانون الأوّل 2017) رداً على إعلان الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، ​القدس​ عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليها من ​تل أبيب​ (6 كانون الأوّل 2017)، قبل اعتقالها بتاريخ (19 منه)، وكانت أقوى من المحتل، وتمالكت نفسها، وهو ما ربّاها عليه والداها باسم وناريمان، الأسيرة المفرج عنها معها.

لكن عهد لم تتمكن من حبس دموعها فرحاً لدى وصولها إلى مدخل قريتها النبي صالح - شمال غرب ​رام الله​، ومعانقتهما هي ووالدتها وسط حشود المستقبلين الذين انتظروا منذ ساعات الصباح الأولى، منتقلين على حواجز الإحتلال العسكرية المحيطة برام الله لأكثر من ساعتين بعد الإفراج عنهما على حاجز «رنتيس» العسكري - غربي رام الله.

فيما كان المستوطنون الصهاينة يتجمعون على مدخل قرية النبي صالح، مطلقين هتافات ضد عهد.

وعلى الرغم من فرحة العائلة بخروج عهد ووالدتها ناريمان من السجن صباح أمس (الأحد)، إلا أن الفرحة بقيت منقوصة، باستمرار الإحتلال اعتقال نجل العائلة البكر وعد.

أطلت عهد وهي تضع حول معصمها إسوارة تحمل علم فلسطين، لتحتضن والديها باسم وناريمان وشقيقيها سلام ومحمّد، وابنة عمها نور (شريكتها في التصدّي لدورية الإحتلال)، قبل أن يلبسها والدها الكوفية الفلسطينية باللونين الأبيض والأسود، والتي اشتهرت بها.

وعلى الرغم من الارهاق الذي ظهر عليها، إلا إنها كانت صلبة كما عرفها العالم، وحيت المستقبلين الذين كانوا بالانتظار، ويرفعون الأعلام الفلسطينية وصورها.

وأمام حشد من الصحافيين، اكتفت عهد بشكرهم، قبل أن تتوجه مع أفراد العائلة إلى منزل أحد شهداء البلدة، حيث أكدت أن «المقاومة مستمرة حتى زوال الإحتلال». وقالت: «أوجه التحية إلى الأسيرات في السجن، كلهم قويات، بحيي كل شخص وقف معي في سجني ووقف مع كل الأسيرات».

هذا قبل الانتقال إلى منزل العائلة، الشاهد على صفعة الضابط والجندي، حيث زينت جدران الحي برسومات وصور لعهد وكلمات تحيي وقفتها وشجاعتها.

أما المحطة الأولى خارج البلدة، فكانت بتوجه باسم وزوجته ناريمان وابنتهما عهد وأفراد العائلة إلى ضريح الرئيس الشهيد ​ياسر عرفات​ في مقر المقاطعة في رام الله، حيث وضعت عهد باقة من الزهور على ضريح من أحبت رمزاً، وتليت الفاتحة، قبل أن تطبع قبلة عميقة على الضريح وتذرف الدموع.

ومن هناك انتقل أفراد العائلة إلى مقر ​الرئاسة الفلسطينية​، حيث كان في استقبالهم الرئيس ​محمود عباس​، بحضور نائب رئيس حركة «فتح» ​محمود العالول​ وعضو اللجنة المركزية للحركة حسين الشيخ ورئيس ديوان الرئاسة انتصار أبو عمارة.

وأكد الرئيس عباس، أن «الفتاة الفلسطينية ​عهد التميمي​ تشكل نموذجاً للنضال الفلسطيني لنيل الحرية والاستقلال، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة».

وأشار إلى «نموذج ​المقاومة الشعبية​ السلمية الذي سطرته عهد وأهالي قرية النبي صالح وجميع القرى والمدن الفلسطينية، يثبت للعالم بأن شعبنا الفلسطيني سيبقى صامداً على أرضه، ومتمسكا بثوابته، ومدافعاً عنها مهما بلغ حجم التضحيات».

وشدد الرئيس عباس على أن «المقاومة الشعبية السلمية، هي السلاح الأمثل لمواجهة غطرسة الإحتلال، وإظهار همجيته أمام العالم أجمع».

بدورها، أشادت عهد بـ»جهود الرئيس عباس، ومتابعته الكاملة لأوضاعها، ودعمه الكامل لعائلتها، وصمودها أمام المحتل، الذي لا يعير القوانين والشرائع الدولية أية أهمية».

وظهراً عقدت الأسيرة المحررة عهد التميمي، مؤتمراً صحفياً في قريتها النبي صالح، متوسطة والديها باسم وناريمان، وسط حشد غفير من وسائل الإعلام التي تولت نقل وقائعه مباشرة.

ودعت عهد التميمي «أبناء ​الشعب الفلسطيني​ إلى مواصلة الحملات التضامنية، التي كانت تنظم لمساندتي، حتى تحرير كافة الأسيرات والأسرى من سجون الإحتلال الإسرائيلي».

وأعلنت مقاطعتها لوسائل الإعلام العبرية، وأنها لن تجيب عن أية أسئلة قد توجهها لها، مبررة ذلك بأن «الصحافة العبرية حاولت تشويه القضية التي أدافع عنها».

وعرضت لمعاناة الأسيرات داخل سجون الإحتلال، مشيرة إلى أن «هناك 29 أسيرة يقبعن في سجن «الشارون»، بينهن 3 أسيرات قاصرات، هن: منار شويكي، لمى البكري وهديل عرينات، اللواتي حملنني رسالة يطالبن فيها أبناء شعبنا بتعزيز الوحدة، ومساندة الأسرى والأسيرات في سجون الإحتلال».

وأشارت إلى «معاناة الأسرى لدى نقلهم من معتقلاتهم إلى محاكم الإحتلال بما يعرف «البوسطة»، حيث يتعرضون إلى معاملة غير انسانية أثناء نقلهم».

وأوضحت أن «فرحتي بالتحرر من سجون الإحتلال منقوصة ولم تكتمل، لبقاء 29 أسيرة في سجن الشارون».

وألمحت إلى أن «الإحتلال اعتقد أنني سأخسر إكمال دراستي بسبب الاعتقال، لكن على العكس، درست الثانوية العامة مع الأسيرات، وأطلقنا اسم «فوج التحدي» على مجموعتنا، في تحدٍ لإدارة السجن، التي حاولت أكثر من مرة إغلاق الصف ومنعنا بكل الطرق من التعليم، لكن كل ذلك لم يمنعنا من مواصلة التعليم، بفضل ممثلة القسم الأسيرة ياسمين شعبان، كنا نستمد القوة والإرادة من الأسيرة إسراء جعابيص، التي تحدت إصابتها ووجعها وجروحها ودرست، وفضلاً عن الثانوية العامة، تحدينا الإحتلال مرة أخرى ونظمنا دورة حول القانون الدولي والقانون الإنساني، لنتثقف ونتعلم، وحولنا السجن من مذلة وصعوبة إلى مدرسة».

وأضافت: «أتوجه بالشكر لوالدتي التي وقفت الى جانبي، وكانت أقوى من الإحتلال، واستطاعت إيصال صوت شعبنا، الذي يناضل من أجل حريته، فالمرأة جزء لا يتجزأ من ​القضية الفلسطينية​، ويجب أن تكون المرأة واعية لتربية جيل قادر على مواجهة الإحتلال، الذي يجب أن ينقلع من أرضنا».

وفي ردها على أسئلة الصحافيين، أوضحت «سأكمل دراستي الجامعية في مجال القانون، لإيصال قضية الأسرى للعالم عبر المحاكم الدولية».

وكشفت عهد أنها «تعرضت للكثير من المضايقات والانتهاكات أثناء التحقيق معي، كشتمي بألفاظ نابية، وعدم وجود مجندة أثناء التحقيق، إضافة إلى اخضاعي للتحقيق لفترات طويلة».

ووجهت التميمي الشكر إلى «كل من وقف إلى جانبي في الأسر، وأيضاً الحملات التي نظمت للإفراج عني، والصحافيين الذين وثقوا الأحداث لإيصال صوتي إلى العالم، وإلى أهالي قرية الخان الأحمر على صمودهم وثباتهم، كذلك أهلنا في ​قطاع غزة​، الذين ما زالوا مستمرين بمسيرات العودة».

ونقلت رسالة باسم الأسيرة ​خالدة جرار​، حيّت فيها صمود وثبات أهالي الخان الأحمر ودعمها لأهلنا في غزة في مسيرات العودة.

وختمت المحررة عهد التميمي: «القدس كانت وما زالت وستبقى عاصمة دولة فلسطين الأبدية، و«قانون القومية» عنصري، وأتمنى أن يكون السلام الخيار في كل زمان وكل وقت، وأن تسود قيم المساواة والعدل في العالم، وتبتعد كافة الدول عن الحروب».

من جهتها، شكرت ناريمان التميمي «كل من ساندنا ووقف إلى جانب عائلتي أثناء فترة الاعتقال»، موجهة رسالة إلى الأمهات والآباء «أن لا يخشوا على أبنائهم من الاعتقال، أولادنا ملح هذه الأرض، ويجب أن يذوبوا فيها، وقوتنا بوجودنا، ونحن مؤمنون بنضالنا وبفكر أبنائنا».

وكانت عهد قد احتفلت بعيد ميلادها الـ17 داخل السجن (31 كانون الثاني 2018).

فيما احتفلت الوالدة ناريمان بعيد ميلادها الـ42 أيضاً داخل السجن (13 كانون الثاني 2018).

ويوم إصدار «محكمة عوفر» العسكرية الحكم بحقهما، كان في (21 آذار 2018)، تزامناً مع عيدي الام والطفل.

وعبر الإحتلال عن امتعاضه من بطولات عهد، حيث أقدم على اعتقال رسامين ايطاليين قاما برسم صورتين مذهلتين لها على جدار الفصل في ​بيت لحم​ - جنوبي ​الضفة الغربية​، حيث أمضيا ساعات بإنجاز ابداعهما وهما مقنعان، الصورة الأولى بطول 7 أمتار وعرض 7 أمتار، والثانية بطول 5 أمتار وعرض 5 أمتار.