أعاد الحديث عن أن رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ طلب من أحد أقرب معاونيه التشاور مع بعض كبار الدستوريين، حول وجود موانع تحول دون مبادرة السلطة التشريعية إلى التشريع في ظل حكومة تصريف الأعمال، البلاد إلى الجدل الذي كان قد انفجر في شهر تموز من العام 2013 حول مفهوم "​تشريع الضرورة​"، أي عندما كان هناك حكومة تصريف أعمال برئاسة ​نجيب ميقاتي​ في حين كان ​تمام سلام​ مكلفاً ب​تشكيل الحكومة​، نظراً إلى أن الحكومة في مثل هذه الحالة تكون ذات سلطة ناقصة، مع العلم أن موقف بري من هذا الموضوع معروف مسبقاً.

بعد ذلك، عاد مفهوم "تشريع الضرورة" إلى الواجهة من جديد، في مرحلة ​الفراغ الرئاسي​ بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، حيث تمسك الأفرقاء المسيحيون برفض التشريع في ظل هذا الواقع، قبل أن تأتي التسوية عبر مشاركة أغلب ​الكتل النيابية​ في الجلسة التي أقرت فيها المشاريع الماليّة التي تتعلق بمصلحة لبنان الماليّة والاقتصاديّة وعلاقته بالمجتمع الدولي، باستثناء حزب "الكتائب" الذي ظل متمسكاً بموقفه المعارض.

في هذا السياق، تميّز مصادر قانونية، عبر "النشرة"، بين الحالتين، حيث تشير إلى أن الموقف الأبرز بين مختلف الكتل كان موقف تيار "المستقبل"، الذي رفض في ظل حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها ميقاتي حضور أي جلسة تشريعية، بحجة أن ممارسة كل من الحكومة المستقيلة أو أحد وزرائها الحق العائد لكل منهما لا تدخل ضمن المفهوم الضيق لتصريف الأعمال، بالإضافة إلى أن حق رئيس الحكومة المستقيل بالطعن بالقوانين لا يدخل في المفهوم الضيق لتصريف الأعمال، وبالتالي لا يجوز التشريع في ظل حكومة مستقيلة لأن مبدأ تصريف الأعمال بالمعنى الضيق يحظّر عليها ممارسة صلاحياتها التقريرية، ومنها ممارستها لحقها الدستوري بالكلام خلال إجراءات التشريع لإبداء رأيها بالنصوص القانونية المطروحة على التصويت.

لدى العودة إلى "تشريع الضرورة" في ظل الفراغ الرئاسي، لعب "المستقبل" دوراً بارزاً في الوصول إلى التسوية، من خلال الإتصالات والمشاورات التي قام بها، والتي ترجمت عبر اللقاء الذي جمع الحريري مع رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء: سمير مقبل، علي حسن خليل، وائل أبو فاعور، وجبران باسيل، حيث تم الإتفاق على عودة "القوات" و"التيار الوطني الحر" عن قرار المقاطعة، بشرط الإلتزام بعدم حضور أي جلسة لاحقة لا تكون مخصصة لمناقشة قانون جديد للانتخابات بهدف التوصل إلى صيغة لإقراره .

في الحالتين، تشدد المصادر، كان رئيس المجلس النيابي يُصر على الدعوة إلى جلسات متكررة، على قاعدة عدم تكريس مبدأ تعطيل السلطة التشريعيّة لدى حصول فراغ في موقع الرئاسة الأولى أو عندما يكون هناك حكومة تصريف أعمال، معتبراً أن هذا النقاش سياسي بالدرجة الأولى لا دستوري، في حين أن موقف ميقاتي، خلال مرحلة تصريف الأعمال، لم يكن معارضاً لإنعقاد الجلسة إلا أنه كان يطالب بالتفاهم على البنود الضرورية والحاجة إليها، لأن الحكومة لا تستطيع المطالبة باسترداد أي مشروع قانون أو الدفاع عن نفسها في وجه الانتقادات التي ستوجه اليها في الوقت المحدد لتلاوة الأوراق الواردة.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر أن بري نجح في الحفاظ على حق البرلمان في التشريع، سواء في ظل فراغ رئاسي أو في ظل حكومة تصريف أعمال، على قاعدة أن الخلاف حول هذا الأمر سياسي بالدرجة الأولى لا دستوري، وبالتالي من الممكن اليوم الدعوة إلى جلسات تشريعية، إلا أن إنعقادها يتطلب توافقاً سياسياً مع باقي الأفرقاء على جدول أعمالها، كي لا تواجه بالمقاطعة التي تحول دون عقدها، سواء كانت طائفية أم سياسية، كما حصل في السابق، الأمر الذي يؤكد عليه عضو كتلة "التنمية والتحرير" ​قاسم هاشم​ لـ"النشرة"، مشدداً على أن استقالة الحكومة لا تعني إستقالة بقيّة المؤسسات من دورها.

ويوضح النائب هاشم أن ما نُقل عن بري، بالنسبة إلى التشاور مع بعض الخبراء الدستوريين، هو لتأكيد المؤكّد بحال كان لدى البعض شكاً، نظراً إلى أن الحكومة في المستويين، سواء كانت حكومة عادية أو حكومة تصريف أعمال، هي بالمستوى نفسه، ويضيف: "نحن بظرف إستثنائي على كافة المستويات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية"، لافتاً إلى أنه اليوم الجميع يعول على مؤتمر سيدر 1، والمجلس النيابي يجب أن يكون في حالة جهوزية تامة لمواكبة الحكومة لدى ولادتها، لا سيما إذا ما طال أمد هذه العملية.

من جانبه، يشير عضو كتلة "المستقبل" النائب عاصم عراجي إلى أن الكتلة لم تناقش هذا الأمر في الأيام الماضية، لكن في حال جديّة رئيس المجلس النيابي بالدعوة، من المفترض أن تتم مناقشتها في إجتماع الكتلة الذي سيعقد اليوم مع رئيس الحكومة المكلف، مشدداً على أن العقد التي تحول دون تشكيل الحكومة ليست عند الحريري بل في مكان آخر، حيث هناك عقدتين أساسيتين: الأولى مسيحيّة، بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، والثانية درزيّة في ظل تمسك كل فريق بمواقفه.

في المحصّلة، التسوية السياسيّة هي الحكم في هذه المسألة الدستوريّة، لمنع تعطيل المجلس النيابي في ظل العقد التي تحول دون ولادة الحكومة، وبالتالي لا شيء يمنع الدعوة إلى جلسة تشريعيّة في حال كان هناك توافقاً بين الكتل الأساسية على جدول أعمالها.